إحاطة مساعد الأمين العام للامم المتحده
و مستشاره الخاص في اليمن الى مجلس الأمن :
سيدي الرئيس
1ـ لم يذَخر مجلس الأمن أدنى
جهد في دعم عملية انتقال سلمية قائمة على التفاوض في اليمن. وعلى مدى السنوات
الثلاث الماضية، نبَهت باستمرار مجلسكم الموقر هذا، إلى المخاطر المحدقة بالعملية
الانتقالية. اليوم، أخبركم ببالغ الأسف أن هذه العملية الانتقالية، التي لطالما
اعتبرت نموذجا يحتذى، قد أصبحت في مهب الريح. لقد عرف اليمن تطورات مأساوية خلال
الأسابيع القليلة الماضية. وسبق لي أن أطلعت مجلسكم الموقر بتطورات الوضع مرتين
خلال الأسابيع الثلاثة المنصرمة. لهذا لن أكرر ما أسلفته، بل سأقدم لكم رصدا بأهم
التطورات المستجدة منذ إحاطتي الأخيرة بتاريخ 26 يناير.
2ـ لقد واصلت المساعي الحميدة التي يبذلها
الأمين العام من خلال تنظيم مفاوضات يومية يشارك فيها إثنا عشر حزباً سياسياً، بمن
فيهم أنصار الله، وذلك من أجل التوصل إلى حل توافقي للمأزق السياسي الحالي.
وبصفتنا وسطاء، يتحتَم علينا أن نحافظ على اتصالاتنا الوثيقة وعلاقاتنا مع كافة
الأطراف، مع التمسك بموقفنا المبدئي المستند لميثاق الأمم المتحدة والقانون
الدولي. إننا اليوم نتنقل بين كثير من الحقول الملغومة. أحرزنا نجاحات وواجهتنا
إخفاقات. ورغم كل ذلك، استطعنا إحراز تقدم معقول، مع إدراك كافة الأطراف للحاجة
الماسة إلى إيجاد حل سريع يعيد الثقة لعموم اليمنيين.
3ـ بموازاة المفاوضات الجارية، نظم أنصار الله، وعلى مدى ثلاث أيام، تجمعا كبيرا في صنعاء اختتم في الأول من فبراير. وانتهى هذا التجمع بإمهال المفاوضات التي تيسرها الأمم المتحدة ثلاثة أيام للتوصل إلى حل، تحت طائلة اتخاذ اللجان الشعبية لإجراءات. وفي الرابع من فبراير، انتهت المهلة دون حوادث تذكر، ومضت المفاوضات قدماً.
4ـ في وقت متأخر من مساء اليوم الخامس من
فبراير، رفعت جلسة المفاوضات وسط تفاهم واسع بين الأطراف بشأن الخطوط العريضة
لاتفاق محتمل. وتم تحديد اليوم التالي، السادس من فبراير، لحل بعض القضايا العالقة
من خلال مشاورات ثنائية، ومنح فسحة زمنية للأمم المتحدة لصياغة نص توافقي. وكان من
المفترض أن نجتمع مجددا يوم السابع من فبراير بنية إبرام اتفاق.
5ـ بيد أنَه، وفي حركة مفاجئة، أقدم أنصار الله
في السادس من فبراير على اتخاذ إجراء من طرف واحد. ونظموا تجمعا لأنصارهم في القصر
الرئاسي معلنين من هناك ما أسموه "الإعلان الدستوري". ونصَ هذا الإعلان،
على حل مجلس النواب، وتشكيل مجلس رئاسي من خمسة أعضاء، إضافة إلى استلام لجنة
ثورية عليا مقاليد إدارة البلاد مؤقتا.
سيدي الرئيس،
6ـ لقد أسفرت هذه الخطوة أحادية الجانب عن
ردود فعل قوية على الصعيدين المحلي والدولي. فقد رفضت الأحزاب السياسية الرئيسة
هذا الإعلان. ودفعت ضبابية الموقف وتفاقم الأوضاع الأمنية بعدد من البعثات
الديبلوماسية الرئيسة إلى إغلاق سفاراتها ومغادرة البلاد مؤقتا.
7ـ لقد أوضحت بما لا يدع مجالا
للشك موقفي وعبرت عن الأسف الشديد للتحرك أحادي الجانب الذي أقدم عليه أنصار الله،
خاصة وأن المفاوضات كانت تحرز تقدما جيدا. وبصفتي ممثلا للأمين العام، أوضحت لكافة
الأطراف، بمن فيهم أنصار الله، بأنه لا يمكن الخروج من المأزق السياسي الحالي إلا
من خلال حوار سلمي، ومفاوضات قائمة على أسس الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية،
ومخرجات الحوار الوطني واتفاق السلم والشراكة.
8ـ لقد أجريت مشاورات مع جميع الأحزاب
السياسية، كما كان لي اتصال مباشر بالسيد عبد الملك الحوثي الذي أكد لي أنه يرحب
بحل تفاوضي توافقي ترعاه الأمم المتحدة. وأنا سعيد لكون الجميع وافقوا على استئناف
المفاوضات. منذ مطلع هذا الأسبوع، جرت الاجتماعات بشكل يومي وتم إحراز تقدم، ولا
زلنا في خضم مفاوضات دقيقة وحساسة. حيث تتم مناقشة مواضيع معقدة تتعلق بترتيبات
الحكم خلال الفترة الانتقالية بما في ذلك السلطتان التنفيذية والتشريعية. وتدرس
الأطراف ترتيبات تقاسم السلطة أو الشراكة في حكومة وحدة وطنية جديدة، فضلا عن سبل
وإجراءات تفعيل دور المؤسسات الأمنية للدولة من أجل الاضطلاع مجدداً بمسؤولياتها.
بالإضافة إلى ذلك، تناقش الأطراف السبل الكفيلة بمنع انفجار الوضع في محافظة مأرب،
والضمانات الضرورية لحماية الحقوق والحريات الأساسية، من قبيل الحق في التجمع
سلميا وحرية التعبير وغيرها.
سيدي الرئيس،
9ـ إن الوضع في محافظة مأرب
الغنية بالنفط متوتر للغاية. وأغلب اليمنيين متخوفون من اندلاع مواجهات بين
الحوثيين ورجال القبائل في أي لحظة. وفي الجنوب، يسود وضع غير مستقر. وأصبحت أصوات
الجنوبيين، الذين عانوا لسنوات طويلة من التمييز والتهميش، أعلى من ذي قبل، وعادت
كثير من تلك الأصوات للمطالبة بالانفصال.
10ـ إن حالة عدم الاستقرار
السائدة حاليا توفر الظروف المواتية لتقوية تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب.
وهنالك مخاوف حقيقية من احتمال إقدام التنظيم على إقامة معاقل له في أجزاء من
محافظات أبين وشبوة وحضرموت ومأرب. واليوم، سيطر التنظيم على معسكر تابع للواء 19
مشاة في مديرية بيحان بمحافظة شبوة واستولى على ذخائر وأسلحة متوسطة وثقيلة.
سيدي الرئيس،
11ـ لقد ولــَّــد غموض المشهد
السياسي ضغوطا كبيرة علي العملة المحلية، الريال. وإذا لم يتم التوصل لتسوية
سياسية في الأيام القليلة القادمة، فإن هنالك احتمالا حقيقيا أن ينهار الريال
اليمني. وتسود مخاوف من احتمال أن تصبح الحكومة عاجزة عن دفع الرواتب خلال شهرين
أو ثلاثة. وهذا الاحتمال قد ينتج عنه إما عجز عن سداد تلك الرواتب، أو اللجوء إلى
زيادة المعروض النقدي من خلال طباعة العملة مثلا، ما قد يؤدي إلى تراجع حاد في
قيمة العملة مع ارتفاع كبير في معدلات التضخم.
إن تحقق هذا الاحتمال ـ لا سمح الله ـ فإن نسبة الفقر التي تقدر حاليا ب٥٤ في المئة ستتفاقم، كما ستتأثر أنشطة القطاع الخاص سلبا بشكل كبير. لقد سبق للكثير من المانحين وقف مساعداتهم الإنمائية، وهنالك مانحون آخرون يدرسون اتخاذ خطوة مماثلة. وهو ما قد يؤدي إلى وقف تمويل المشاريع، وقطع الخدمات الأساسية، كما قد يتسبب في فقدان عشرات الآلاف لوظائفهم. وهذا الأمر قد ينعكس بدوره على الوضع الأمني مع احتمال انضمام جحافل العاطلين للجماعات المسلحة لأسباب مادية، كما سيزيد من سوء الوضع الإنساني في اليمن.
إن تحقق هذا الاحتمال ـ لا سمح الله ـ فإن نسبة الفقر التي تقدر حاليا ب٥٤ في المئة ستتفاقم، كما ستتأثر أنشطة القطاع الخاص سلبا بشكل كبير. لقد سبق للكثير من المانحين وقف مساعداتهم الإنمائية، وهنالك مانحون آخرون يدرسون اتخاذ خطوة مماثلة. وهو ما قد يؤدي إلى وقف تمويل المشاريع، وقطع الخدمات الأساسية، كما قد يتسبب في فقدان عشرات الآلاف لوظائفهم. وهذا الأمر قد ينعكس بدوره على الوضع الأمني مع احتمال انضمام جحافل العاطلين للجماعات المسلحة لأسباب مادية، كما سيزيد من سوء الوضع الإنساني في اليمن.
12ـ إن
نحو ستة عشر مليون يمني، أي ما يعادل 61 بالمئة من مجموع السكان، يحتاجون إلى
المساعدة الإنسانية. إن خطة الاستجابة الإنسانية لعام 2015 ستكون جاهزة خلال هذا
الأسبوع، وستطلب نحو 748 مليون دولار لتلبية حاجيات ثمانية ملايين ومئتي ألف شخص
(8.2). وستخصص مئتان وخمسة وثمانون (285) مليون دولار من هذا المبلغ للحاجيات
العاجلة المتعلقة بإنقاذ الحياة وتقديم المساعدة لليمنيين الأكثر احتياجا. وتراود
شركاءنا في المساعدة الإنسانية مخاوف حقيقية بشأن اتساع رقعة النزاع وآثاره
المحتملة على المدنيين. يمكن كذلك أن يتسبب ارتفاع وتيرة الاضطرابات واحتمال اتساع
النزاعات في تعقيد الجهود الإنسانية الهادفة لإيجاد حلول إنمائية مستدامة وتحسين
سبل العيش وتعبيد طريق اليمن نحو التعافي.
13ـ لقد واجهت العملية الانتقالية عوائق
خطيرة في الماضي، ومع ذلك استطاع اليمنيون دائما السير قدما. واليوم، يقف اليمن في
مفترق طرق: إما أن ينزلق باتجاه الحرب الأهلية والتفكك، وإما أن يجد مخرجا ويعيد
العملية الانتقالية إلى مسارها. وهذا يتوقف بشكل رئيسي على الإرادة السياسية
للقادة اليمنيين. إنهم يتحملون جميعا مسؤولية ما آلت إليه الأمور، وعلى عاتقهم
جميعا تقع مسؤولية إخراج البلاد من الهاوية.
14ـ إن الظروف السياسية والإنسانية والأمنية
تطرح تحديات جدية لعمليات الأمم المتحدة. ولكن الأمم المتحدة لن تغادر اليمن. بل
إنها تجدد التزامها لليمنيين وهم يتطلعون إلى إكمال مسيرة الانتقال السياسي. وفي
هذا الصدد، كنا ولا زلنا علي اتصال وتنسيق دائمين مع دول مجلس التعاون الخليجي
وبقية الشركاء الدوليين.
15ـ بالأمس، أحيى اليمنيون
الذكرى الرابعة لانطلاق المظاهرات السلمية المطالبة بالتغيير. إن الفضل يعود
لشجاعة الشباب المتظاهرين في فتح الباب أمام اليمنيين من أجل الدخول في مسار
التحول الديموقراطي. ورغم كل العقبات والإخفاقات، إلا أن الحلم لم يمت، وما زال
بإمكان اليمنيين تحقيقه.
ومن مسؤولية مجلس الأمن والمجتمع الدولي
أن يقف إلى جانب اليمنيين في هذه الظروف العصيبة.
_______________
_______________
12 فبراير
2015
صنعاء
صنعاء
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق