دراسة علمية للبروفيسور رونالد لوكوك
لقد عاش الوالي التركي في
قلعة (قصر السلاح) في طرف المدينة وخلق مركزاً للحياة التركية ببناء المقاهي
والمساجد الجديدة على طول الشارع الجديد المشجر
الذي أنشأه ويربط القلعة بالبوابة الشمالية للمدينة بالقرب من السور وعلى أية حال فإن معظم بيوت الاتراك تبدو وكأنها بنيت بكثرة في الجهة الغربية خارج أسوار المدينة (القديمة) كفلل على البساتين في منطقة تبدو بشكل واضح أنها كانت حدائق عامة (متنزهات) خصبة (مقاشم) لأهل صنعاء خلال فترة الوجود التركي الثاني تقريباً من عام 1872م فما بعد اختار الاتراك تلقائياً نفس المناطق التي تتواجد فيها المساجد التركية والفلل المنخفضة كمركز معيشي لهم، وعندما برزت الحاجة لأنواع جديدة من البناء تنامى ذلك خارج أسوار المدينة كالمستشفى والمدرسة التركية بالقرب من الجهة الغربية للمدينة وبهذه المباني التي تبدو وكأنها كالعقد استمر الحكام اللاحقون بتطوير معظم اعمال البناء الجديدة بالقرب من الجهة الغربية وهذه المنطقة كانت هي نفسها التي اختارتها الحكومة اليمنية بمساعدة مصرية، بعد بدء قيام الثورة وعام 1962م، لبناء الطرق رباعية الصفوف لمركزها التجاري المخطط حديثاً لصنعاء، ورغم أنه وفي خضم سير العمل فإن مجموعة من بوابات المدينة في الطرف الغربي للمدينة القديمة دمرت، إلا أن المدينة القديمة قد تركت على حالها اجمالاً، ولذلك فقد قام عدد من رجال الاعمال القادمين من عدن بأخذ بيوت وإنشاء أعمال تجارية جديدة خارج المدينة القديمة، وهكذا أصبحت المدينة الجديدة المركز الرئيسي للنشاط التجاري الحديث في اليمن، مخلفةً المدينة القديمة للحرفيين ورجال الاعمال المحليين والتجار. أما عدد السكان فقد كان داخل أسوار المدينة كبيراً جداً نحو (30 ألف نسمة تقريباً) وكان نمط الحياة في الاحياء راسخاً لدرجة أن وجود المدينة الحديثة بجوارها لم يؤثر تأثيراً كبيراً على التقاليد والعادات التقليدية للمعيشة والعمل كما كان متوقعاً، لقد كان هذا أحد أسباب بقاء الفن المعماري للمدينة بشكل جيد جداً حتى وقت لاحق لكن في نهاية السبعينات أظهر كل ذلك بعض التغيرات كما واجهت المدينة القديمة هجوماً شرساً فأغنياء المدينة القديمة بدؤوا بالنزوح خارجها وأنشؤوا لأنفسهم مساكن جديدة حديثة في المناطق المفضلة لدى الدبلوماسيين الأجانب ورجال الاعمال الاغنياء الجدد، وبالتالي فان ساكني المدينة القديمة هؤلاء يملكون أكبر واجمل البيوت القديمة والتي اما تركت فارغة، وبهذا فانها في بضع سنوات تعرضت للدمار بسبب الاهمال، أو ما هو أسوأ من ذلك تم تأجير البيوت الكبيرة منها على شكل شقق منفصلة للفقراء الذين ليس لديهم اهتمام بالحفاظ على واجهاتهم المنقوشة بشكل جميل ونوافذها وقمرياتها والاعمال الخشبية.
الذي أنشأه ويربط القلعة بالبوابة الشمالية للمدينة بالقرب من السور وعلى أية حال فإن معظم بيوت الاتراك تبدو وكأنها بنيت بكثرة في الجهة الغربية خارج أسوار المدينة (القديمة) كفلل على البساتين في منطقة تبدو بشكل واضح أنها كانت حدائق عامة (متنزهات) خصبة (مقاشم) لأهل صنعاء خلال فترة الوجود التركي الثاني تقريباً من عام 1872م فما بعد اختار الاتراك تلقائياً نفس المناطق التي تتواجد فيها المساجد التركية والفلل المنخفضة كمركز معيشي لهم، وعندما برزت الحاجة لأنواع جديدة من البناء تنامى ذلك خارج أسوار المدينة كالمستشفى والمدرسة التركية بالقرب من الجهة الغربية للمدينة وبهذه المباني التي تبدو وكأنها كالعقد استمر الحكام اللاحقون بتطوير معظم اعمال البناء الجديدة بالقرب من الجهة الغربية وهذه المنطقة كانت هي نفسها التي اختارتها الحكومة اليمنية بمساعدة مصرية، بعد بدء قيام الثورة وعام 1962م، لبناء الطرق رباعية الصفوف لمركزها التجاري المخطط حديثاً لصنعاء، ورغم أنه وفي خضم سير العمل فإن مجموعة من بوابات المدينة في الطرف الغربي للمدينة القديمة دمرت، إلا أن المدينة القديمة قد تركت على حالها اجمالاً، ولذلك فقد قام عدد من رجال الاعمال القادمين من عدن بأخذ بيوت وإنشاء أعمال تجارية جديدة خارج المدينة القديمة، وهكذا أصبحت المدينة الجديدة المركز الرئيسي للنشاط التجاري الحديث في اليمن، مخلفةً المدينة القديمة للحرفيين ورجال الاعمال المحليين والتجار. أما عدد السكان فقد كان داخل أسوار المدينة كبيراً جداً نحو (30 ألف نسمة تقريباً) وكان نمط الحياة في الاحياء راسخاً لدرجة أن وجود المدينة الحديثة بجوارها لم يؤثر تأثيراً كبيراً على التقاليد والعادات التقليدية للمعيشة والعمل كما كان متوقعاً، لقد كان هذا أحد أسباب بقاء الفن المعماري للمدينة بشكل جيد جداً حتى وقت لاحق لكن في نهاية السبعينات أظهر كل ذلك بعض التغيرات كما واجهت المدينة القديمة هجوماً شرساً فأغنياء المدينة القديمة بدؤوا بالنزوح خارجها وأنشؤوا لأنفسهم مساكن جديدة حديثة في المناطق المفضلة لدى الدبلوماسيين الأجانب ورجال الاعمال الاغنياء الجدد، وبالتالي فان ساكني المدينة القديمة هؤلاء يملكون أكبر واجمل البيوت القديمة والتي اما تركت فارغة، وبهذا فانها في بضع سنوات تعرضت للدمار بسبب الاهمال، أو ما هو أسوأ من ذلك تم تأجير البيوت الكبيرة منها على شكل شقق منفصلة للفقراء الذين ليس لديهم اهتمام بالحفاظ على واجهاتهم المنقوشة بشكل جميل ونوافذها وقمرياتها والاعمال الخشبية.
بعض أفضل المناطق تحولت
تدريجياً إلى احياء فقيرة، ويبدو أنه سوف يتم هنا إتباع نفس النمط الذي حدث
للقاهرة واسطنبول القديمتين ما لم يكن بالامكان صياغة خطة عملية تؤمن إعادة احياء
الاعتزاز بالحياة في البيوت القديمة، وبحسب اعتقادي فإن مثل هذا البرنامج كان يجب
أن يسبقه دراسة مستفيضة للعديد من جوانب المشكلة بما يمكننا من اتخاذ قرارات حول
الخطوات التي يلزم اتخاذها، ونحن محتاجون لدراسة ما يلي:
تطلعات السكان نحو أساليب
حياة جديدة قد يتم إرضاؤها.
- وسائل تطوير المباني بدون افسادها كإدخال المطابع والحمامات العصرية.
- طرق التحكم بالمباني في المدينة القديمة بواسطة التشريعات.
- تأثيرات ترك الاجانب في الاحياء التقليدية للمدينة القديمة.
- السماح باستخدام الاجانب، ولكن بعد نقاش مستفيض كوكلاء للمباني
الفارغة حتى يتعافى السكان المحليون من نظرتهم السلبية تجاه البيوت التقليدية
وأساليب الحياة التي يعتبرونها (عتيقة الطراز).
(حتى ذلك الوقت من المعتقد أن ذلك سيحتاج إلى جيل بكامله حتى يتم
تغيير هذه النظرة)
- وسائل السماح للحركة المرورية داخل المدينة القديمة والتي يمكن
تحقيقها بعدة طرق:
- توفير مداخل جديدة لا تتعارض مع نمط الشارع التقليدية تسهل الدخول
لمناطق مواقف السيارات في نطاق 400 متر على الاقل من كل بيت هذه المداخل سوف تسمح
أيضاً بدخول سيارات الاجرة بالقرب من منازل السكان.
- السماح للمركبات الصغيرة، ذات الحجم المحدد سلفاً بدخول الشوارع
التقليدية خلال ساعات محددة، أما خلال ساعات الذروة لاستخدام المشاة فستبقى
الشوارع القديمة خالية من العربات.
- تزويد المدينة القديمة بوسائل نقل عامة وسيارات أجرة تستخدم الشوارع
التقليدية مع تقييد لحجم المركبات (باصات صغيرة- سيارات أجرة- شاحنات صغيرة)
وتقييد سرعتها ب30 كم في الساعة كحد أقصى ومنع ضجتها بإصدار أصوات أبواق المركبات
والتحكم بكاتمات صوت المحركات وبالذات الموتور سيكلات.
- وسائل إمداد الطاقة الكهربائية وخطوط الهاتف داخل المدينة القديمة
والتي يفضل أن تكون تحت الأرض.
- أهمية تطوير وسائل الصرف الصحي والمجاري وهذه الأخيرة (المجاري) على
درجة كبيرة من الاهمية لعلاقتها بالبعض في صنعاء الخطيرة للمياه ذلك أن الصرف
الصحي كان غير عملي نتيجة زيادة التعداد السكاني والصناعة في المدينة فقد جفت
الآبار التي تم حفرها وأدى ذلك إلى انخفاض منسوب المياه فترة السبعينات بمعدل 20
متراً وهذا شكل خطورة على عدم كفاية المياه الجوفية في المستقبل القريب بالرغم أنه
يوجد هناك دليل على وجود مياه جوفية أكثر من مستويات أبعد من الأرض ستتطلب إعادة
حفر معظم الآبار في المدينة، لكن الخبراء يؤكدون أن سعة المياه ستكون مشكلة
متفاقمة خلال السنوات القليلة القادمة.
- اثنى على الطرق للصرف الصحي في صنعاء العديد من الزوار من دول أخرى
في العقود الاولى للإسلام، وخلال العصور الإسلامية الوسطى، وبالأخص فقد اثنوا على
نظافتها وخلوها من الروائح. هذه المميزات تم تحقيقها عبر فصل مراحيض الفضلات، الذي
يتم إسقاطه في أقبية مغطاة عن الفضلات السائلة الذي يتم تصريفه بشكل منفصل إلى
خنادق صرف المياه المستعملة وكان يتم تجفيف الفضلات الإنسانية بهواء صنعاء الجاف
ليصبح عديم الرائحة (وبالتالي كان يتم أخذه وحرقه كوقود للحمامات العامة ثم يستخدم
رماده كمادة سماد) أما السائل فقد كان يتم شطفه بالماء بعد كل استخدام للحمام
فيتبخر سريعاً في القنوات والمصارف من دون أن يخلف وراءه أية روائح، ومن وجهة نظر
صحية فإن عنصر التجفيف الكامل للحمامات ومصارفها قلل بشكل كبير مخاطر انتشار الامراض
لكون أغلب الجراثيم لا تستطيع البقاء في الظروف الجافة، وهكذا كانت النتيجة نظام
استخدام صحي قد يكون بفاعلية ونظافة أي نظام آخر للمجتمع التقليدي، لكن بالنسبة
لمنظمة الصحة العالمية who فإن شبكة المجاري المائية
في الأنسب فقط لصنعاء بناءً على ذلك تم إقناع البلدية بإدخال شبكة مجاري أرضية
ونظام جديد، واقنع مالكي المنازل بمد أنابيب في قنوات المياه القديمة لفصل السوائل
عن الفضلات داخل المجاري ولسوء الحظ فلقد كانت النتائج سيئة في البداية لسببين هما:
1ـ مكان التقاء الأنابيب الجديدة بطوابق الحمامات القديمة كان مفصلاً
(مخططاتً) بشكل سيء بسبب خروج نصف السائل على خارج الأنبوب وبالتالي فإن الفراغ ما
بين الأنبوب والجدار كون نبات فطري أخضر أبقى الرطوبة لفترة طويلة بما يكفي
لانبعاث روائح قوية.
2ـ هبوط معنويات السكان حيث ظنوا أن أنظمتهم الصحية التقليدية كانت غير
كافية فتوقفوا عن إصلاحها بشكل ملائم. الزوار الجدد حكموا على النظام الصحي من
خلال الروائح التي كانت تصدر من أسوء الاحياء الفقيرة بصنعاء التي احتضنت فيما سبق
أجمل البيوت القديمة ومن خلال المجاري العامة المشبعة، التي فشلت الجهات المسئولة
عن المساجد (الأوقاف) بشكل مخجل من الحفاظ عليها نظيفة
لتزايد عدد السكان في عام 1978م تم التصويت لصالح صنعاء في اليونسكو لحمايتها
وترميمها وفي ذلك الوقت كنت مشاركاً في اعمال صيانة لدى العديد من الدول الاسلامية
كعُمان والكويت بالاضافة إلى دول أخرى كان بعضها لصالح اليونسكو بالامارات العربية
والبحرين قبل ذلك بست سنوات كنت
عضواً في حملة كامبريدج الكشفية لدراسة اليمن وبالتحديد صنعاء، وهو عمل استمريت
بأدائه كمدير أبحاث لدى جامعة كامبريدج في الفترة التي تخللت ذلك، وقمت بزيارة
مطولة عام 1973م وما تلى ذلك من السنوات اللاحقة لقد كان أحد أهداف هذا العمل
اعداد منشور عن مدينة صنعاء مع البروفسور اربي سرجنت كما كنت أعمل مع السيد Michael well bank، وفريقه عن القاهرة
القديمة وقدمت لهم النصح بخصوص صنعاء حيث كلفت اليونسكو شركة shark land cox، والتي كنت عضواً بإعداد تقرير لحماية المدينة، ولاحقاً تم تعييني
كمنسق لدى اليونسكو لتدشين الاستعدادات لإعلان الحملة والبدء بإجراء دراسات في
اليمن أفضت إلى برنامج مفصل لصالح الحملة اعددته خلال الفترة (80- 1982م) وأثناء ذلك
واجهنا نحن العاملين في مجال الصيانة العديد من وجهات النظر المربكة حول ما يجب أن
تكون عليه أعمال الصيانة وكان منها ما يلي:
- الموقف المعماري: يركز هذا على الصيانة العلمية التي بها أصبح كل
ماهو جديد مختلف إلى حد ما عن الاصل هذا الموقف قد تجسد بشكل واضح في اعمال
المرممين المعماريين خصوصاً في ايطاليا ولطالما بدا قبيح المنظر وغير ذو احساس فني
فقد افسد شكل وخطوط المباني وخلق انطباعاً غير متذوق للفن المعماري، وكان المبرر
وراء ذلك علمياً بحتاً.
- الموقف الرومانسي (العاطفي) والذي يكتنفه الجهل المستمر بالتقنيات التقليدية
والتطبيق الاسلامي لاعادة تجديد واحياء المباني، كالجهل بالمنظر الاصلي للمباني في
أوج عصرها.
- المدخل المعماري العملي والذي بتأكيده على المعرفة العملية جعل
المهندس المعماري وتقني المباني يعاني باستمرار من نفس نوعية الجهل السابقة.
- الموقف الشاعري: الذي يقيم تقادم العصر هذه السمة صعب الحفاظ عليها
خصوصاً ان كان المبنى بحاجة الى صيانة لتجنب انهياره او دماره بشكل خطير.
- المدخل الحذر غير الجازم، مع التأكيد على تواضع امام اعمال اشخاص من
عصور اخرى والاحساس بالمسؤولية تجاه الماضي والمستقبل والحاضر ومقاومة الحلول
السهلة والتفكير غير المحايد واتخاذ المواقف غير الحساسة. مثل هذا المدخل يأخذ كل
الآراء الممكنة بعين الاعتبار ويحاول الاكتفاء باكثر شيء عقلاني من كل منها.
- العديد من المرممين كانوا قلقين بسبب اعمال اصلاح الجدران الطينية
والياجورية، كانت فيما مضى تعني اظهار المباني بوجه جديد تماماً للعالم، حالياً
اصبح ذلك تطبيقاً سنوياً في المجتمعات التقليدية، الجدار الطيني الياجوري الذي يتم
الحفاظ عليه بشكل مناسب كان له واجهة خلابة نظراً للتنافس على المحافظة عليه،
الميل نحو اضمحلال الجدران الطينية كان ذا نزعة غربية مشتقة من المعتقد المنظوري
الرومانسي، الموقف المسمى ب(الشاعري) كان أحد المواقف التي اعطيت القيمة الاكبر
لعامل (سمو عصر المبنى) على اي عامل آخر لكن بالنسبة للفن المعماري الاسلامي فإننا
شرعاً لا نستطيع الخوض حتى نهاية الطابع الوهابي الياباني الذي يستمتع باشكال العمل
اليدوي الذي تضيع في خضمها السمة الاصلية للمادة مثل هذه الاذواق الطابع الغربي
والياباني لم تكن على حد علمنا مشجعة في الاسلام لذا فمن الطبيعي ان يكون من
الضروري جداً توخي الحذر عند نقل القيم التي يتم تقديرها من ثقافة الى اخرى، وان
صيانة وترميم المساجد هي مشكلة تخص اغلب الدول الاسلامية وليس اقلها اليمن التي
يتدخل في شؤونها مسؤولو الجوامع والشيوخ الذين يميلون الى فرض كلمتهم فيما يخص ما
سيتم عمله للمباني ويتصدون لاية نصيحة من خبراء متمرسين، هذه المشكلة تزداد
تعقيداً برضاهم عما يحققونه من اعمال طلاء جديدة واضافات وتعديلات وإعادة بناء
الجوامع بشكل كلي واحساسهم بأهليتهم من خلال ما يقومون به من مثل هذه الاعمال وان
المعضلة الاخيرة تكمن في استمرار قصور الفهم الحديث حول اسباب تلف المباني
القديمة، وهذا في الغالب معناه ترك الاصلاحات الى وقت متأخر ومن ثم اعادة التزين الظاهري
والطلاء البسيط.
مضمون ورقة عمل قدمها
البروفيسور رونالد لوكوك الى ندوة «نحو إنطلاق حملة ثانية لإنقاذ مدينة صنعاء
القديمة كواجب وطني ودولي باعتبارها تراث إنساني»، المنعقدة في يناير 2010م.
- في اثناء عملية اصلاح استراتيجية صيانة المدينة القديمة تناقشت مع
العديد من الاشخاص بمن فيهم المهندس البريطاني الذي قام في الاصل بوضع امدادات
المياه الخاصة بصنعاء في فترة السبعينيات، Richard held واحضرناه لاحقاً كمتشار رئيسي في اعمال امدادات المياه والمجاري وفي
صنعاء نفسها تلقيت دعماً كبيراً ومساعدة من معالي الدكتور عبدالكريم الارياني
والمرحوم القاضي اسماعيل الاكوع والقاضي علي ابو الرجال وفي النهاية في عام 1982م
كان الوقت قد حان لخطوات تقود الى الاعتراف الرسمي للمجلس التنفيذي بالحملة
الدولية للحفاظ على مدينة صنعاء وتم تشكيل خمسة استشاريين من كل من اليونسكو وicimos والتي كنت عضواً فيها والذين اجتمعوا للاتفاق على استراتيجية التي
يعتمدون عليها للحفاظ على مدينة صنعاء القديمة وقد مال بعض الاستشاريين الى
المدخلات القديمة للصيانة، المدرجة اعلاه مؤمنين بأن مهمتهم كمندوبي icimos هي ببساطة تقديم اولوية
عن اي من المواقع التذكارية للمدينة القديمة ينبغي ان يتم صيانتها، لقد اعترضت
شخصياً على هذا المقترح ومخطط مدينة تونس، جلال عبدالكافي الذي كان مسؤولاً فيما
سبق عن مدينة تونس وكانت وجهة نظرنا ان صنعاء القديمة يجب ان تعامل كنسيج متكامل
كمدينة البندقية لا ننتقي مواقع تذكارية بعينها، فالمدينة باكملها يجب ان تدرس
ككيان حي بهدف الحفاظ عليها ككيان نابض بالحياة من خلال اغراء السكان للبقاء فيها،
اعمال البنية التحتية ورصف الطرقات كان يجب ان تتم بصورة عاجلة لتحسين الظروف
المعيشية وايضاً لتجنب اي اضرار اخرى للمبنى، اعمال الصيانة المواقع التذكارية يجب
ان تكون جزءاً من الحملة، لكن هذا ينبغي ان لا يتم إلا بعد حل مشكلة المياه
الجوفية والقضايا العالقة ما لم فستنهار المباني المرممة.. بعد استشارة الحكومة
ودراسة اليونسكو للتقارير المقدمة تم تعييني كمنسق تقني للحملة القادمة وطلب مني
الاستمرار بتقديم اعدادات تفصيلية بعد ذلك تم اتخاذ قرار حول انسب مكان لمكتب
الحملة فلقد نجح القاضي اسماعيل في الحصول على الاذن والمبالغ اللازمة لتهيئة دار
جديدة وهو قصر سابق للامام داخل المدينة القديمة، ثاني مسألة كانت بخصوص الفريق
اليمني من الشباب المتحمس وكان اكثر من اثروا في شخصياً مجموعة مؤلفة من مهندس
معمار شاب، احمد الابي (رحمه الله) انهى دراسته حديثاً في دمشق وصديقه المقرب
المهندس علي عشيش، هؤلاء استفادوا من انتدابهم من وزاراتهم كونها قلبت باستمرار
رواتبهم مع عملهم مع الحملة، لم يخيبوا ابداً ظني بهم وواجهوا التحديثات بشكل رائع
ومستمر، هذان الاثنان اعتبر مشاركتهما ضرورية تماماً لتحقيق نجاح الحملة بعد فترة
قصيرة شاركنا في اشهار وكتب الحملة اثنان آخران جميل شمسان ومحمد الجماعي، لقد دعت
اليونسكو السفارات العربية والاوروبية في اليمن وطلبت منها المشاركة في الحملة لكن
اصبح من الواضح ان تكاليف اعمال البنية التحتية ستتحملها حكومة اليمن (ج.ع.ي) اما
السفارات فقد وافقت على المشاركة في الحملة لكنها ارادت تمويل مشاريع اصلاح عالية
جانبية عوضاً عن اعمال البنية التحتية اثناء ذلك قام رئيس الهيئة العامة للآثار
القاضي اسماعيل الاكوع بقبول عرض مقدم من السفير الايطالي باحضار فريق من مكتب guaroni bonifica
associates بروما ليقوم بعمل دراسة
بديلة للحملة لاحقاً اثبت هذا تطلب حول تقنية عالية لم توافق عليها اليونسكو وفي
هذه الفترة تم دراسة استراتيجية الحملة على مرحلتين، المرحلة الاولى: لاعادة بناء
الخدمات التحت ارضية بما فيها امدادات المياه، تركيب نظام المجاري، رصف الطرقات،
وعند الضرورة، تعزيز اساسيات المباني، يوازي ذلك دراسات لتطوير الظروف المعيشية
واقتصاد السوق.
المرحلة الثانية: تم
اطلاقها بعد الانتهاء من البنية التحتية، لصيانة واعادة تأهيل المعالم الرئيسية
للمدينة في ديسمبر 1984م تم تشكيل لجنة عليا من المعنيين وآخرين من ذوي الاختصاص
يترأسها الوزراء بقرار جمهوري اطلق عليها فيما بعد (مجلس امنا الحملة الدولية
لصيانة مدينة صنعاء القديمة).
هذا الاجراء الذي تم
اتخاذه لضمان حماية المدينة القديمة اصبح مجهوداً جماعياً دعمته جهات الاختصاص في
نفس ذلك الشهر اطلق في صنعاء ربيد احمد مختار رامبو مدير عام اليونسكو رسمياً
الحملة الدولية للحفاظ على مدينة صنعاء القديمة دشنت الحكومة تجريبي لاستبدال
الطول القصير لوسائل امدادات المياه وادخال انابيب تصريف المجاري وعمل فتحات تسمح
للعاملين بالمرور فيها وتنضيفها واعادة رصف الطرق فوقها جزء من المخصصات المالية
تم اتاحته لهذا التوسع حوالي 100م طولاً فتحات التنظيف تم تركيبها كما اعيد رصف
الشارع عملية انتقاء حجارة الرصيف تم التفكير فيها بشكل عميق.. بحيث تكون دائرية
جانبية لاتشجع حركة مرور الموتورسيكلات عندما تمت الموا فقة على طول هذا الشارع
ونجاح العمل فيه نجاحاً كبيراً، ثم تخصيص مبلغ من السابق للسنة التي يليها وتم
تعيين الدكتور المرحوم عبدالرحمن الحداد مديراً عاماً للمكتب التنفيذي للحملة ومرة
اخرى كان هذا الاختيار موفقاً على جميع الاصعدة تقريباً لقد كرس نفسه للحملة بلا
كلل وادرج فريقاً ممتازاً تحت تصرف الفريقين الآخرين يتضمن عبدالله الحضرمي، ياسين
غالب، سبأ الصليحي ولاحقاً نبيل شيبان، وبالطبع 30 و40 شخصاً من اليمنيين الذين
لازلوا يعملون في العمارة والتخطيط في اليمن بالاضافة الى العديد من الشباب
الأجانب الامريكيين، الفرنسيين، الهولنديين، الالمانيين، الكوريين، اليابانيين
...الخ، اعارتهم سفاراتهم ومراكز الابحاث للعمل على مشاريع لصالح الحملة مع الفريق
في مكتب الحملة وكانت هذه المشاريع تشمل اعادة رصف السايلة، صيانة الاسوار والجوامع،
اصلاح السماسر، العديد من البيوت تم اصلاحها بأموال المانحين وتم فتحها للعاملة
كمتاحف حية كما تم تأسيس صندوق القروض لمساعدة اصحاب البيوت الخاصة للمحافظة على
منازلهم في المدينة القديمة، لقد تم اعداد آلية الصيانة وتعيين مسؤولين داخل gophcy لدعم المباني وتشريعات
الصيانة، الظروف المعيشية سيتم تحسينها بواسطة تطوير الخدمات الاجتماعية بما في
ذلك تحسين المدارس الجديدة والعيادات الطبية تخطيط حركة السير كان جزءاً هاماً من
الحملة، دخول المدينة القديمة اصبح محصوراً من خلال استخدام الحواجز القمعية
القابلة للطوي لتنفيذ الدخول الى المباني السكنية كما ان الاسترتيجيات المصممة
لمواجهة هذه الاهداف كانت مدرجة في الخطة العملية لعام 1984م والخطة الخمسية لعام
1987م وفي هذا الوقت كنت مهتماً بثلاث قضايا وهي بالتحديد:
1- احياء الوظائف الاجتماعية للمباني القديمة الحمامات العامة اصبحت مهملة
باستمرار وتعرضت للتلف بسبب السماح فقط باستخدامها في صنعاء يلاحظ ان المشرف على
الحمام (الحمامي) الذي يحرسه وتأكيده على النظافة يمكن ان يزيد من شعبية حمامات
العامة ويغري بطرق اخرى الاشخاص المقتدرين الذين تبنوا الطرق الغربية، على اعادة
استخدام هذه الحمامات العامة وحتى لو كان من الضروري ان تخفض الحمامات لتحقيق ذلك
فإنني اشعر بأن تلك نتيجة حققت ما نصبو اليه في العديد من المجتمعات الاسلامية ذلك
ان الهدف من الحمامات العامة هو الالتقاء بالاصدقاء من الجيران والراحة الجسدية من
خلال تجربة الحمام الساخن، والاسترخاء وتجاذب اطراف الحديث على انغام الموسيقى
والمشروبات المنعشة لاحقاً هذا الهدف عزز بشكل كبير الخبرة الجماعية والفردية
واستعادة ذلك يمكن ان يصلح بعض قيم التواصل المباشر والحوار في المجتمع، لقد شعرت
بأنه اذا كانت نظافة وتواضع المستخدمين قد يتم الحرص عليها تأكيده لمرة اخرى كما
في الماضي فإن التدهور سيتوقف وفي اليمن كان الحمام رمزاً للذوق والنظافة حتى
السنوات القليلة الماضية.
2- القدرة على التحكم بحركة مرور العربات:
أولاً: بحل مشكلة الزحمة
المرورية وذلك بواسطة:
- ابقاء الحركة المرورية بعيداً عن عدة شوارع ما عدا الحالات الخاصة
- السماح بمرور العربات الصغيرة فقط.
- تحديد سعات الدخول- الذي يتحكم به المواقع المتحكم الهيدروليكية التي
تعمل بالبطائق.
ثانياً: بتوفير بدائل
سخية لما وراء مناطق الصيانة
ثالثاً: معالجة مشكلة
تداخل حركة سير العربات مع حركات المشاة في الشوارع الضيقة.
- اي محاولة لحل هذه المشكلة بعزل المشاة عن العربات، باستخدام رصيف
المشاة كانت ستؤدي الى ظهور سمة غريبة جديدة على المدن القديمة وهذا غير مقبول.
- بما ان الحركة المختلفة لمختلف انواع حركات السير يجب الابقاء على
سرعاتها فإن ذلك يعني ان على العربات الابقاء على سرعتها منخفضة لدرجة تضارب سرعة
حركة المشي وهذا ما يجب تفعيله بقوة القانون، اي شخص على اطلاع بمراكز التسوق
القديمة لمثل هذه المدن كروما وكمبردج سيدرك ان ذلك يمكن تحقيقه بوضع الموانع بشكل
مدروس والزامي.
- تشريع قانون لحماية المدن القديمة وتفعيله لقد اصبح من الواضح ان
التشريع القانوني وتفعليه سوف لن يحقق وحدة هدف صيانة وترميم اي تراث حتى لو تم
تمويل هذا العمل لاحقاً، ومن دون الوعي العام بالحاجة الى الصيانة والترميم، فإن
اصدار اي من التشريعات سوف لن يكون فاعلاً حتى في الدول الغربية، اثبتت التجربة ان
اي مالك خاص مصمم واسوأ من ذلك اي سلطة محلية او اسوأ من ذلك وزارة حكومية يمكن ان
تدمر وتوجد طرق ملتوية لتتغلب بالحيلة على أكثر التشريعات المبنية بحرص وعناية
لسوء الحظ فإن تثقيف العامة بدون ايجاد التشريع الفعال لم ينجح حتى في اوروبا،
المساعي الطبية للاغلبية لازالت تكافح امام قبضة الاقلية ودوافعها الانانية، لكننا
تعلمنا درساً مهماً وهو ان التشريع الفعال والزامه، مرتبط بتثقيف العامة مازالا لا
يستطيعان تقديم حماية دائمة للمواقع التذكارية الاثرية ولا حتى للمناطق المدنية
اذا لم تتوافر المساعدة المالية والتي يصاحبها العمل الترميمي (لقد كان هذا احد
اكثر الدروس ايلاماً خلال السنوات الاولى لاصلاح السياسات بعد الحرب العالمية
الثانية في اوروبا) ما لم يتم ايجاد رسائل تدعم مع الالتزامات المالية التكاليف
الباهظة الضرورية للصيانة لاصحاب الاملاك الخاصة المباني المتوافرة فإن البيئات
ستسقط بشكل لا مفر منه ونقص الموارد سيؤدي لبحث غير كاف في الاخير سيؤدي ذلك الى
القيام بعمل صيانة تدميرية مزيفة وكنتيجة حتمية لذلك فإن الصيانة تتطلب 3 عناصر:
التشريع، تثقيف الناس، التمويل المالي، فلا يمكن ان نحذف أمر هذه العناصر من غير
ان نتوقع الفشل، وعليه فإننا لا يمكن ان نقول ان احداً منها اقل اهمية من الآخر،
المشاكل التي ظهرت نتيجة الحاجة الى ارضاء المجموعات الثلاث قبل اي برنامج صيانة
يكون ناجحاً كانت مثبطة للهمة وحتى اذا تمت مواجهة هذه المشكلات بشكل متزن فهل
هناك ضمان بأن يحتفظ المواطنون بافضل ما في إرثهم الحضاري ليصل الى عدد كبير من
احفادهم تلك كانت اسباب قلقي على الحملة حتى نهاية الثمانينيات والتي بعدها اصبحت
اقل انشغالاً وكنت احضر الى صنعاء بصفة اساسية من اجل الاستشارات والمؤتمرات كون
انه كان لدي مسؤوليات مهنية اخرى، وعينتني اليونسكو لاكون مسؤولاً عن حملتها في
اوزباكستان ويبدو لي ان هذا النقاش يجب ان ينتهي بدراسة للاهداف النهائية للصيانة
في اليمن، لقد كانت المباني التقليدية اجمالاً موجودة في وعي مستخدميها اكثر من
وجودها اليوم في بيئات معقدة يعود ذلك جزئياً الى استمرار المواد والظروف المناخية
التي ترتبط ذهنياً، البنية باللمسات الاخيرة وحتى انه من اكبر المباني العامة الى
اصغر البيوت بنيت بأيدي اصحابها، الفن المعماري التقني لهذا العصر سواء كانت مبنى
من عدة شقق او مجمعاً مكتبياً متعدد الطوابق او المجسم الدوار الخرساني الزائد
المقوى بالاسلاك للجامع الحديث، وهو ابعد ما يكون عن ادراك الانسان العادي
ومهاراته الشخصية وعلى جميع الاصعدة بأن الفن المعماري يختص بالناس من خلال
التعبير عن هويتهم.
- اننا نعيش اليوم في عالم فيه تقدم الحياة وضغوطاتها يجعل من الصعب
علينا باستمرار الحفاظ على حساسية ردود افعالنا تجاه العالم بخصوصنا. وفي نفس
الوقت فإن النزوع المتزايد في عصرنا للتقدم التقني هو من اجل العولمة او من اجل
تقييد الاختلافات، حالياً بيئاتنا ذات اهمية بالغة بالنسبة لنا كتعبير عن شخصيتنا
سواء كأفراد او جماعات في الاقاليم او الامم، الفنون المعمارية التقليدية كانت
تقدم كنتيجة لصراع الانسان لتحقيق تناغم مع الطبيعة للتواصل والتوازن بما يسمح له
بتقدير قيمة جمال المواد الموجودة في متناول يديه والاستفادة منها الى اقصى حد،
لقد كانت بيئة محفزة وذات تحديات يستمر فيها الانسان بالاستجابة لتغيرات الطبيعة،
وهذا ما لم يجعله ينسى باستمرار جماليات المعيشة وارضاءاتها، الآن وبعد ان اصبحت
تكنولوجيا البناء متقدمة جداً فإننا قد ربحنا السيطرة على بيئاتنا الطبيعية اننا
محميون من هذه التجربة اليومية واصبحنا غير حساسين تجاه العالم الذي نعيش فيه
والذي يعني عدم شعورنا بحواسنا الاخرى ايضاً هو انه من خلالها يمكن للناس العاديين
تجربة هذا الفن المعماري مرة أخرى، لذلك فإنها ذات علاقة مباشرة بالبيئة الواقعية
وبحياة الناس المستخدمة لها وهذا مبرر اساسي للحفاظ على المبنى اكبر من الوظيفة
الفورية له وهو مبرر اساسي منفعي حديث للاحتفاظ بالمبنى او بمنطقة حضرية وهذا
المبرر سيبقى الى ما شاء الله وستتعدى منفعته المجردة للاجيال السابقة الى
المستقبل البعيد.
المصدر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق