الأربعاء، 7 يناير 2015

انضمام اليمن لمنظمة التجارة العالمية وتحديات المستقبل


أـ عبدالله يحيى العلفي
ورقة عمل قُدمت في ندوة جودة الوظيفة العامة ومقاييسها
مركز منارات : الثلاثاء 6 يناير 2014

مقدمة :
يتسم العالم اليوم بسرعة التطور في مختلف مجالات الحياة ، وبشكل اثر بصورة مباشر وغير مباشر على كافة المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية ودفعها الى تغيير  سياساتها الادارية وتحسين ادائها حفاظاً على بقائها في عصر يهيمن عليه نظام عالمي اقتصادي ثقافي متغير لا مكان فيه الا لمن يجيد السباحة في اتجاه التيار الجارف. ولعل أهم الهياكل التي انجبها النظام العالمي الجديد إنشاء منظمة التجارة العالمية (WTO)، والذي من أهم مضامينه تحرير التجارة وسهولة حركة رؤوس الأموال وتحرير الاستثمار، وفتح الباب على مصراعيه أمام الاستثمار الأجنبي المباشر


وبالرغم من ان هذا النظام العالمي يتيح لكافة المؤسسات الخدمية والانتاجية في العالم المتقدم والنامي فرص الانتشار باستخدام طاقات تتجاوز الحيز الوطني لأي مؤسسة، ويحقق الوصول إلى مساحات وشرائح واسعة في أسواق عالمية كان الوصول إليها أقرب إلى المستحيل، الا ان قطف ثماره لا يتأتى الا للمجتمعات المهيئة للتغيير والتكيف السريع سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعياً.
إن المحصلة الرئيسة لظاهرة العولمة تؤكد أن مفاهيم ونظم وأساليب الادارة التي كانت سائدة في القرن الماضي لم تعد تتناسب ومعطيات العصر الجديد، بل أصبحت عائقاً رئيساً يحول دون الاستفادة من الفرص التي تتيحها العولمة والتقنيات المساندة لها، الأمر الذي يوجب البحث العلمي لابتكار وتنمية منظومات جديدة من المفاهيم والنظم والآليات المتوافقة مع المتطلبات الحديثة.  واليمن كغيرها من الدول النامية تعيش في محيط  دولي يفرض عليها مجهودا كبيرا لتقليص الهوة التي تفصلها عن الدول المتقدمة ، وهذا لا يمكن أن يتم إلا بمعالجة محكمة لكل الاختلالات والنواقص المتراكمة وعلى رأسها الجهاز الاداري للقطاع العام والمختلط خاصة واليمن تنظم الى منظمة التجارة العالمية التي تفرض عليها جملة من الشروط القاتلة (ان صح التعبير) ما لم تتوفر بيئة سياسية ثقافية ملائمة لإجراء معالجات محكمة لكل الاختلالات والنواقص المتراكمة في الجهاز الاداري.

منظمة التجارة العالمية :
1ـ تعريف المنظمة: هي منظمة عالمية مقرها مدينة جنيف في سويسرا، مهمتها الأساسية ضمان انسياب التجارة بأكبر قدر من السلاسة واليسر والحرية وهي المنظمة العالمية الوحيدة المختصة بالقوانين الدولية المعنية بالتجارة ما بين الدول. تضم منظمة التجارة العالمية 160 دولة عضو. إضافةً إلى 24 دولة مراقبة.
وتبرز أهمية هذه المنظمة مقارنة بمنظمة الجات أنها أدخلت تحت لوائها التجارة في الخدمات حقوق الملكية الفكرية. وهذا يعني أن المنظمة تشرف على التبادل بين الدول وتديره من جميع جوانبه:
        -            التجارة في السلع.
        -            التجارة في الخدمات.
        -            حقوق الملكية الفكرية.

مهام منظمة التجارة العالمية:
المهمة الاساسية للمنظمة مساعدة الدول الاعضاء في سريان وتدفق التجارة بسلاسة وبصورة متوقعة وبحرية طريق:
        -            إدارة الاتفاقيات الخاصة بالتجارة.
        -            التواجد كمنتدى للمفاوضات المتعلقة بالتجارة.
        -            فض المنازعات المتعلقة بالتجارة.
        -            مراجعة السياسيات القومية المتعلقة بالتجارة.
        -            مساعدة الدول النامية في المواضيع المتعلقة بالسياسات التجارية من خلال المساعدات التكنولوجية وبرامج التدريب.
        -            التعاون مع المنظمات الدولية الأخرى.

التزامات ومواثيق المنظمة :

1ـ الارتقاء بمستويات المعيشة والدخل.
2ـ التأكيد على أعلى مستوى في التوظيف.
3ـ توسيع الإنتاج والتجارة.
4ـ الاستعمال الأمثل للموارد العالمية.
5ـ الحماية والمحافظة على البيئة.
6ـ بذل الجهود لتحسين معدلات النمو للدول النامية في إطار التجارة العالمية وخصوصاً تلك الدول الأكثر تطوراً.


انضمام اليمن الى منظمة التجارة العالمية:
تقدمت اليمن إلى عضوية منظمة التجارة العالمية عام 2000، وأكملت عملية طلبها عام 2013. وفي 4 يناير 2013 وقعت بروتوكول الانضمام الى منظمة التجارة العالمية .. لتصبح الدولة رقم 160 في المنظمة.
وتعد اليمن وفق تصنيف منظمة التجارة العالمية الدولة السابعة الأقل نمواً التي تنضم إلى النظام التجاري متعدد الأطراف منذ تأسيس منظمة التجارة العالمية في عام 1995. وكونها من البلدان الأقل نمواً. يعتقد انها ستستفيد من الدعم والمساندة التي التزمت بها الدول الاعضاء للدول النامية.

الاثار الايجابية والسلبية المتوقعة من انضمام اليمن الى منظمة التجارة العالمية.

أولاً : الآثار الايجابية:
 قدمت اليمن كثيراً من التنازلات قبل أن تنظم لمنظمة التجارة العالمية، تمثلت في الإصلاحات الاقتصادية التي فرضت عليها وما صاحبها من تخفيض التعريفة الجمركية وتحرير التجارة وخصخصة بعض المؤسسات الاقتصادية الحيوية والخضوع لسياسة السوق. في المقابل يتوقع المراقبون استفادة اليمن من الانضمام الى المنظمة في:
ـ باعتبار اليمن من الدول الاقل نموا ربما تحصل ـ وفق التزامات المنظمةـ على دعم فني وتقني لتنفيذ التزامات انضمامها وقواعد المفاوضات التجارية. بالإضافة الى تحسين البنية التحية اللازمة وتطوير بعض المهارات المتصلة بالتجارة العالمية.
ـ الارتقاء بالجودة النوعية للمنتجات الوطنية الزراعية والصناعية والخدمات العامة ووضعها على قدم المساواة مع تلك الأجنبية والمستوردة من حيث إرغام تلك الصناعات لتبني أفضل أساليب الجودة لتستطيع المنافسة.
ـ تمكين اليمن من الدخول للمحافل الدولية والتفاوض مع الدول والتكتلات التي تشكل حجر عثرة في دخول المنتجات اليمنية الأكثر تنافساً مثل الخضروات والفواكه والمنتجات البحرية والعسل والبن والمعادن المختلفة التي تتميز بها البيئة اليمنية.
ـ  تشجيع الاستثمارات العالمية داخل اليمن مما يشجع على الترابط الاقتصادي بين اليمن والدول الأخرى والذي بدوره سيؤدي إلى تحسين مستويات المعيشة ورفع إجمالي الدخل القومي، بالاضافة الى توفير فرص عمل كبيرة للشباب .

ثانياً الآثار السلبية:
كانت وزارة المواصلات وتقنية المعلومات اول مؤسسة اقتصادية وطنية أعلنت رفضها القاطع والتام لبعض نصوص اتفاقية انضمام اليمن الى منظمة التجارة العالمية، والمتضمنة تحرير ما تبقى من خدمات قطاعي الاتصالات الدولية والبريد والانترنت ابتداء من بداية يناير 2015م.
 حيث حذر وزير الاتصالات وتقنية المعلومات السابق الدكتور احمد عبيد بن دغر من المضي في البرنامج الزمني لتنفيذ تلك الاتفاقية بوضعها الحالي واصفاً بعض نصوصها "بالكارثية" ومنها تلك الاضرار المادية المباشرة التي ستلحق بمن يتجاوز عددهم 12000 عامل في المؤسسة العامة للاتصالات ويمن موبايل وتيليمن والهيئة العامة للبريد والتوفير البريدي، اضافة الى ان خزينة الدولة ستخسر ما يقارب ستون مليار ريال سنويا من هذا القطاع وهي الايرادات التي تحتل المرتبة الثانية بعد النفط والجمارك .
كما صرح عدد من المحللين الاقتصاديين رفضهم التام للشروط التي تفرضها منظمة التجارة العالمية محذرين من الاثار السلبية المتوقع حدوثها والتي تتلخص في الاتي :
ـ زيادة أسعار بعض السلع الصناعية التي يتم استيرادها من الخارج بسبب حجب التصنيع المقلد وملاحقته دولياً.
ـ إلغاء الأفضلية الممنوحة للمقاولين والموردين اليمنيين في المناقصات الحكومية ومساواتهم بغير اليمنيين حسب قوانين المنظمة.
ـ نظراً للإمكانيات الهائلة التي تتمتع بها الشركات عابرة القارات من قدرات مالية وتسويقية وإدارية فإنها قد تؤثر تنافسياً على بعض الشركات والمؤسسات الوطنية التي لا تزال تتعامل بأسلوب تقليدي مع معطيات السوق، وهذا بدورة قد يؤدي الى تسريح العديد من الموظفين نتيجة عدم قدرة بعض المؤسسات الوطنية الانتاجية الصمود امام عمالقة التجارة العالمية.

التحديات المستقبلية في ظل منظمة التجارة العالمية :

مهما كانت السلبيات المتوقعة من انضمام اليمن الى منظمة التجارة العالمية، لاشك أن اليمن أمام فرصة اقتصادية كبيرة اذا تمكنت من اعادة هيكلة نظامها الاداري وفق المعايير والمقاييس المطلوبة، ولعل ابرز التحديات التي تواجه عملية التغيير والتي لابد منها تتلخص في الاتي :
1ـ ضرورة تحرير الخدمات العامة التي كانت تحتكرها المؤسسات الحكومية واخضاعها للمنافسة في السوق العالمية، مما يفرض على الجهاز الاداري في القطاع العام والمختلط رفع كفاءة الوظيفة العامة التي تشكل نقطة ضعف واضحة وتتطلب ترتيبات سريعة وملائمة لإعادة تأهليها وفقاً لمعايير الجودة الشاملة . فالبقاء في عصر تبرز فيه قوة المنافسة مرهون بمدى قدرة الجهاز الاداري على تطوير ذاته بشكل مستمر يواكب التحولات العالمية من جهة، ويلبي احتياجات المنتفعين من جهة ثانية ، وإلا فوت على نفسه فرصة قطف ثمار النظام العالمي الجديد.  
2ـ إعادة تعريف الخدمات العامة وفق معايير الجودة الشاملة، باعتبار الخدمات العامة من اجل الموطنين وليس مفروضة عليهم ، وبالتالي ينبغي ان تخضع للتقويم المستمر بمقاييس علمية  بناء على معايير المنتفعين منها،  وان تكون قادرة على التحسين والتغيير بما يلبي احتياجات الناس ويحقق رضاهم.
3ـ تغيير بيئة  العمل في مؤسسات الدولة  بالشكل الذي يحفز الموظفين على تجويد الوظيفة العامة ومخرجاتها مع الاخذ في الاعتبار اهمية القيم المعنوية كالتقدير المعنوي والمساواة والمفاضلة بحسب الكفاءة والشفافية والنزاهة والمساءلة والتدريب والتعليم الذاتي.
4ـ مواكبة التطور التقني وثورة المعلومات في العمل الاداري والتي اصبحت عماد صنع القرار والاتصال والتخطيط. وضرورة ملحة لرفع كفاءة الأداء الوظيفي والمتابعة والتقييم.
5ـ التحدي الأخلاقي، حيث أصبح لابد من أخذ عدد من الاعتبارات المهمة ذات صلة بالجانب الأخلاقي وجانب الفضيلة في الإدارة العامة والاستجابة لمصالح المواطنين والمحافظة على قيم المشاركة والديمقراطية والمساواة والعدالة ورفاهية المواطنين ومصالحهم.
لاشك أن التكيف مع النظام العالمي يدعونا الى تبني استراتيجية شاملة قابلة للتجدد المستمر وهذا ليس بالأمر اليسير في ظل جملة من المعوقات اهمها :
1ـ النظام البيروقراطي الاداري المعقد الذي تتسم به مؤسسات الدولة والذي يؤدي الى تدن شديد في مستوى الخدمات العامة بسبب خضوعها لشبكة معقدة من الإجراءات الروتينية والتقليدية، والتي يترتب عليها وقوع طالبي الخدمة في الاحتمالات التالية :
        -            إطالة زمن اجراء المعاملات  
        -            ابتزاز طالبي الخدمة
        -            الافتقار إلى الدقة.
        -            احتمال ضياع حقوق طالبي الخدمة
        -            زيادة تكلفة أداء الخدمة
        -            تعطل الأعمال وتعرض الوثائق والمستندات المصاحبة للخدمة للتلف
        -            تعدد المكاتب التي يضطر المواطن إلى الذهاب إليها بل وفي كثير من الخدمات يستلزم إجراء المعاملة في اكثر من جهة.
سيطرة القرار السياسي على القرار الإداري والذي ادى الى تغييب المعايير والضوابط الإدارية في اتخاذ القرار الحكومي، إذ تجرى التعيينات في المستويات القيادية على أسس وأبعاد سياسية (وظهر ما يعرف بتقاسم المناصب القيادية بين القوى السياسية) والذي افرز تسييس الوظيفة العامة بما في ذلك التوظيف الجديد بعيدا عن معايير المفاضلة المهنية والعلمية والإدارية، ودون اعتبارٍ للجدوى من الوظائف الجديدة.  وبالتالي تضخم الهيكل الوظيفي للقطاع العام والمختلط وضعف مستوى أداء الكادر البشري وتدني مستوى الخدمات العامة.
3ـ غياب ثقافة الجودة وتفشي ثقافة اللامبالاة والسلبية: بسبب تسييس القرار الاداري والتضخم الوظيفي وتدهور الأوضاع المعيشية للكادر البشري وغياب التطبيق العادل لمعايير التوظيف والترقية وضعف الاهتمام بالتدريب وغياب تطبيق نظام تقييم الأداء كل ذلك أدى إلى تفشي ثقافة ادارية وتنظيمية ذات مظاهر سلبية أفرزت معها فساداً إدارياً متعدد الأشكال والألوان، وأدت إلى جمود في قبول التغيير والتطوير الإداري على مستوى المؤسسات، و ضعف الخدمات العامة التي تؤديها.

توصيات  :
ان العالم المتغير يتطلب استعداداً تاما للمؤسسات في أي مكان في العالم  للتغيير الايجابي المستمر، وبالتالي الاعتماد على استراتيجية تنسجم ومتطلبات العصر الذي يسوده التنافس والسرعة والعالمية. ولمواجهة التحديات والمعوقات وجب على الحكومة تبني استراتيجية تغيير ناجعة تقوم على الاسس الاتية:
ـ إعادة هيكلة جهازها الإداري للنهوض بمستوى الخدمات العامة التي توفرها واخضاعها لمقاييس ومواصفات علمية دقيقة.
ـ تحسين علاقتها مع المستفيدين من خدماتها لمحاولة القضاء على المشكلات المتمثلة في تعقيد المعاملات وتأخيرها، والنهوض بالقيم الاخلاقية للوظيفة العامة بما يحقق المصلحة الوطنية ويلبي احتياجات المواطنين.

ـ تقبل أن يكون هناك تقييم من قبل المواطنين لمستوى الأداء والخدمات الحكومية لتكون محل مقارنة مع الخدمات التي يقدمها القطاع الخاص بكفاءة عالية في عدة نواح مثل الجودة والدقة والوقت وسهولة التعامل .

هناك تعليق واحد:

  1. مقال جميل ورائع ،،، اتمنى ان تفيدنا اكثر بما يتعلق بالتحديثات الخاصة بالمنطمة مع اليمن كدولة حديثة عهد حتى نكون على اطلاع واسع بشأن بلدنا..

    ردحذف