الأحد، 3 يوليو 2011

خيبة أمل


بقلم:  عبدالله يحيى العلفي

(إن كل الثورات تبتغي هدفاً واحداً : هو تحطيم ما كان وإقامة ما ينبغي أن يقوم ، فإذا لم يحقق الثائر نفسه وينتقل إلى تحقيق التغيير في خارجه فهو لم يصنع شيئاً وإنما أحس صنع شيء ، والثورة الكاملة تبدأ حساً بالتغيير ، ثم وعياً بنوع التغيير ، ثم خلق ملكات جديدة تتناوب المواقع وتتآزر على بلوغ الهدف، فيحل الأجدّ مكان الجديد عن تواصل يتلو تواصلاً . فإذا كنا إلى الآن لم نثر ! فلأننا لم نُعِد صياغة أنفسنا لكي نصيغ سوانا) فلسفة نقدية عميقة المعاني وجهها الأستاذ الراحلعبد الله البردوني من مؤلفه (اليمن الجمهوري) الى النخب السياسية والفكرية والاجتماعية والعسكرية التي قادت ثورة 26 سبتمبر 1962 . نعم نجحت الثورة في الاطاحة بالحكم الأمامي ، لكنها فشلت في تحقيق التغيير المنشود. 

واليوم وبعد مرور نصف قرن تقريبا هب الشباب إلى ساحات التغيير للمطالبة باسقاط نظام عجوز متهالك، ورغم الحماس والاصرار على اسقاط النظام مازالت الأدبيات والخطابات والشعارات والنشاطات الاعلامية والثقافية  الثورية تؤكد أن التغيير المراد تحقيقه غير واضح في وعي الشباب . هذا الوعي هو الحلقة المفقودة في الثورة الشباب. ليست الثورة مجرد إزاحة حاكم عن السلطة ليستولي آخر عليها ، إنما هي انسلاخ الثائر قبل غيره عن كل التقاليد التي ينبغي أن تتغير  إلى الجديد الذي يعي قبل غيره كيف يجب أن يكون . ولا شك أن من تلك التقاليد المتكلسة تقاليد الانقلاب على الحكام  السائدة لدى العرب، فرغم التطورات التشريعية في دساتير معظم الدول العربية بما فيها اليمن تنص على أن شرعية السلطة لا تكتسب إلا من خلال الشعوب وعبر الانتخابات إلا أن السائد عكس ذلك.  
بالتأكيد هذه التقاليد نابعة عن ثقافة (الأنا وإلغاء الآخر) والتي لا تبرز بوضوح إلا حينما تشعر طائفة سياسية أو دينية بالغلبة على خصومها فتنقلب على المفاهيم الدستورية لشرعية السلطة باسم الشرعية الثورية . والحقيقة أن إستمرار فاعلية تلك التقاليد في حياة المجتمعات العربية هي التي تشكل عائقاً كبيراً أمام التغيير المنشود ... إن غياب العمق الثقافي للتغير كمنظومة متكاملة جعل الثورات العربية مجرد استبدال حكام بحكام آخرين ، والإصلاح شبه إصلاح ، والتغيير شبه تصالح بين الكائن وبين ما يجب أن يكون.
لقد سقط نظام صدام في العراق وحل محله نظام ديمقراطي تعددي إلا أن  الجديد صادر حق السابق (البعثيين) في البقاء للتنافس الشرعي على السلطة وعلى مؤسسات المجتمع المدني المختلفة عبر الطرق الديمقراطية . وهذا القرار يعتبر انتهاكاً سافراً للحريات العامة ، لذلك يعيش العراق في أزمة أمنية مستعصية لن يبرح منها حتى يتم الاعتراف بان الحرية السياسية لا تقصي أحداً تحت أي مبرر وأن التعايش مع الاختلافات هو السبيل الوحيد لترسيخ الأمن والاستقرار. ويبدو أن الثورات الشعبية الراهنة تقع في نفس الخطأ الذي وقعت فيه العراق ومازالت تعاني منه.  ففي تونس  حُضر على الحزب الحاكم سابقاً من المشاركة في الانتخابات القادمة ، وفي مصر أصدرت المحكمة قراراً بحل الحزب الوطني ومصادرة أصوله ، وفي اليمن تسعى أحزاب المعارضة إلى تفكيك حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم وتوزيع ثرواته وقد صرح بذلك عبد الرحمن بافضل عضو مجلس النواب وأحد رموز حزب الإصلاح ومعروف أن الإصلاح هو الأكثر فاعلية مقارنة بأحزاب المعارضة الأخرى بما في ذلك التحكم بزمام الثورة الشعبية وتسييرها ، وقول كهذا يعتبر تراجعاً حضارياً وليس تقدما ، فنظام علي عبد الله صالح الذي خرجت الجماهير تطالب بإسقاطه لم يحضر على أي حزب أو تنظيم سياسي من المشاركة السياسية والتنافس على السلطة وكل الأحزاب التي في ساحات المعارضة والموالاة تنظيمات سياسية معترف بها بموجب قانون الأحزاب وليس هناك طائفة سياسية في اليمن تشكو من الحضر عليها، ربما هناك عدم تكافؤ في الفرص والموارد بين الحاكم الذي يحتكر كل شيء والمعارضة المغلوب عليها بسبب احتكار الأول . وهذا يدل على أن ثورات التغيير العربية الراهنة لا تتبنى مشاريع حضارية نابعة عن ثقافة تقدمية بقدر ما هي مجرد عمليات انقلابية تسعى إلى إسقاط الأنظمة القائمة لتحل محلها أنظمة أخرى ليست أفضل من الأولى إن لم تكن أكثر تخلفاً ورجعية. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق