الاثنين، 4 يوليو 2011

الثورة بناء لا ثورة انتقام

د. محمد عبدالملك المتوكل



كم يشعر المرء بالفخر والاعتزاز بالشباب اليمني في الساحات وهم يناقشون ويتحاورون حول المستقبل، وكيف يجب أن يكون، وحول الدولة المدنية الديمقراطية الحرة التي يناضلون في سبيل إقامتها. وكم يشعر المرء بالضيق حين يستمع إلى أصوات قليلة شاذة تطفح بالحقد، وتتطلع إلى الانتقام من شخص أو أشخاص أو فئة أو جماعة، مصدرة أحكاماً جزافية ضد هذا أو ذاك وهؤلاء، ناسية أن الثورة قامت من أجل تحقيق العدل وبناء القضاء المستقل العادل الذي هو وحده صاحب الحق في إصدار الأحكام، والمتهم بريء حتى تثبت إدانته. لقد سئمت أمتنا وسئم مجتمعنا من اللعبة المتخلفة الخطرة؛ لعبة الانتقام والانتقام المضاد، ولعبة التعميم المخل بالعدل والقيم الأخلاقية والدينية، لعبة التعميم الذي يشمل من لا ناقة له ولا جمل سوى أنه ينتمي إلى أسرة أو قبيلة أو طائفة أو حزب أو منطقة، برغم أن الإسلام قد علمنا أنه لا تزر وازرة وزر أخرى.

أيها الأحباب؛ دعونا نرتقي إلى مستوى الهدف العظيم الذي يسعى إليه شباب الثورة وصناع المستقبل، وهو بناء الدولة المدنية الديمقراطية القائمة على سيادة القانون والمواطنة المتساوية، والفصل بين السلطات، والتداول السلمي للسلطة من خلال انتخابات حرة ونزيهة ومتكافئة، واحترام حقوق الآخرين. في ظل هذه الدولة المرجوة يتم تسوية كل الآثار المحزنة المؤسفة، سواء عن طريق التسوية العادلة المتوافق عليها، أو عن طريق القضاء المستقل العادل. في هذه المرحلة لنا خصم واحد فقط، هو كل من يقف ضد بناء الدولة المدنية الديمقراطية الحرة التي يناضل شعبنا في سبيلها، ورفيقنا وشريكنا في هذه المرحلة كل من يقبل ويدعم بناء هذه الدولة التي يناضل شعبنا في سبيلها، بصرف النظر عن مواقفها الخاطئة السابقة، فالثورة الشبابية ثورة بناء لا ثورة انتقام، وهي قامت ضد الإقصاء والتهميش للآخر، ولا يعقل أن تمارس ما ناضلت ضده، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة، لقد كان خالد بن الوليد السبب في هزيمة المسلمين في أحد، والتي قتل فيها عم النبي حمزة وخيرة صحابة الرسول عليه السلام، وفيها ارتمى الرسول حتى كسرت ثناياه، ومع كل ذلك حين قبل خالد بعد ذلك بمنهج الإسلام، أصبح سيف الله المسلول، وليس فينا جميعاً من هو معصوم من الخطأ، ولهذا قال عيسى عليه السلام لحواريه حين أصروا على رجم زانية: "من لم يخطئ منكم فليرمها بحجر"، فتوقف الجميع عن رجمها.

هناك حقيقة لا بد من استيعابها، وهي أن القوى المتصارعة متوازنة في قوتها، وفي ظل توازن القوى ليس هناك سوى خيارين لا ثالث لهما؛ إما التصالح والتسامح والإقرار بانتقال السلطة وبالنظام الذي يريده الشعب، وقبول كل الأطراف بالمشاركة في بناء الدولة المرجوة، وإما الصراع المدمر الذي يكون الكل فيها مهزوماً بمن فيهم من يكسب معركة، وعلى الأشلاء ينعق البوم ويقهقه الشيطان.

كانت المشكلة المعيقة للدخول في حوار هي قرار السلطة القائمة بأن السلطة الكاملة قد انتقلت إلى الرئيس بالنيابة، وهناك مؤشرات تدل على أن مركز القوة في السلطة قد أدركت أن التغيير أمر لا مناص منه، وقد دل على ذلك البيان الذي أصدره رئيس الحرس الجمهوري أحمد علي عبدالله صالح، والذي أعطى مؤشراً بالقبول المبدئي بانتقال السلطة الكاملة إلى النائب.. والقبول أيضاً بما يجري من حوارات مع المعارضة والمجتمع الدولي، وبإشراف الرئيس بالنيابة، وأكد ذلك عدم إشارته بأية إشارة إلى والده شفاه الله وشفا كل جرحى الثورة.

الإشارة الثانية تأتي في خطاب الأخ حسن اللوزي في لقائه مع الإعلاميين، والذي طالبهم فيه بالتهدئة الإعلامية، وقد سبق خطابه لجنة مشكلة من قبل النائب من المعارضة والمؤتمر، مهمتها وضع خطة تهدئة لوسائل الإعلام في الموالاة والمعارضة، ولكن اللجنة بدلاً من أن تقوم بمهمتها عادت لتطالب شباب الساحات بالتهدئة، وهذا لم يكن من اختصاصها، ولعله تعويض عن الجهد المطلوب منها، بالنسبة لوسائل الإعلام الموالية والمعارضة.

وأنا لست مع الذين يشككون في هذه المرحلة في الجهد الدولي والإقليمي، فهم من حيث المبدأ يقرون بانتقال السلطة وبناء الدولة الحديثة، ولكنهم يسعون إلى قبول كل الأطراف بالمشاركة في صناعة المستقبل دون إقصاء لأحد، بعد انتقال السلطة، وتولي النائب المسؤولية الدستورية الكاملة. والقبول بانتقال السلطة يعني القبول بمطالب الشعب بإقامة الدولة المدنية الحديثة التي يناضل اليمنيون في سبيلها منذ ثلاثينيات القرن الماضي. والقبول بالدولة المدنية يعني القبول بحيادية القوات المسلحة والأمنية، والقبول بخضوعها للسلطة المدنية الممثلة في الحكومة بوزير الدفاع ووزير الداخلية. المهم أن لا إقصاء لأحد في المشاركة في صناعة المستقبل، والاتفاق على معالجة كل الآثار السلبية في ظل الدولة الحديثة.

على كل القوى السياسية والشعبية أن تقرر هل الثورة ثورة بناء أم ثورة انتقام، وعليها أن تستقرئ التاريخ عن المآسي التي خلفتها ثورات الانتقام، ومنها تجارب اليمن. وعلى كل القوى أن تحدد خيارها؛ الاتفاق على مشاركة الآخرين في بناء الدولة المرجوة، أم الانسياق وراء العواطف وحمى الغضب والحماس فنفضل الصراع. وعلى شركاء السلطة أن يقرروا خيار السير مع الشعب في إقامة دولته المدنية الديمقراطية، أم التمسك باحتكار السلطة والثروة والعناد المدمر ولو أدى إلى المثل القائل "من أراد الكل فات الكل". موضوع أطرحه للنقاش مع دعوة مجلس الأمن الدولي الأطراف اليمنية إلى الجلوس على طاولة الحوار.

صدق الله القائل: "ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم. وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق