السبت، 17 ديسمبر 2011

طلاق السيدة س


بقلم عبدالله يحيى العلفي

بعد أن طلقها زوجها الطلقة الثالثة ، سعت السيدة س (البالغ عمرها 40 سنة) للبحث عن فتوى شرعية تبيح لها العودة لزوجها فهي تحبه كثيراً ، وهو يحبها أكثر .. حاولت أن تقنع كل من ذهبت اليه من رجال الفتوى الشرعية في المدينة أن زوجها كان غاضباً عندما طلقها ، وانه سرعان ما تراجع واعتذر ، وأنه ليس لها أحد تأوي إليه سواه ، وأنه يحبها وهي تحبه ، وتخشى على أطفالها أن يتشتتوا لو أنفصلا عن بعضهما.
لكن السيدة س لم تحصل على فتوى تعيدها إلى زوجها وأطفالها . فجميع من ذهبت إليهم أكدوا لها أنها لم تعد تحل لزوجها طالما حدثت الطلقات الثلاث وهي في حالة طٌهر (غير حائض) فقد سمح الشرع للرجل بطلقتين فقط ليسترجع زوجته وحرم عليه ذلك بعد الطلقة الثالثة . 
قالوا لها أن في ذلك حكمة فالزوج الذي لا يستطيع ان يتحفظ بكلمة (أنت طالق) أمام زوجته لا يستحق أن يكون زوجا لها وقد عاقبه الشرع بأن حرّم عليه زوجته ، كما أن الشرع بذلك قد حمى الزوجة حتى لا تكون محل استهتار الزوج فيطلقها متى شاء ويسترجعها متى شاء. إن العودة بعد الطلقة الثالثة مسألة غير قابلة للنقاش حتى لو كان الرجل يحب زوجته وهي تحبه
استسلمت السيدة (س) واقتنعت بنصيبها.. ولأن طليقها يحبها أبقاها في الدور الأول من البيت لتبقى مع أولادهما ، وبنى له على الدور الثاني مسكن يعيش فيه بحيث لا يقابلها وفي نفس الوقت لا يكون بعيداً عن أولاده.
بعد خمسة شهور تزوج طليق السيدة (س) بفتاه في سن أبنته كاملة الجمال والدلال . لم يستطع أحد أن يلومه على ذلك فلا يصح عرفاً أن يظل الرجل مطلقاً وهو قادر على الزواج ، كما أن الشرع يحثه على الزواج. حتى لو كان يحب طليقته التي لم تعد تحل له شرعاً. عليه أن يتزوج لأن الزواج نصف الدين.
وجدت السيدة (س) أن طليقها بعد هذا الزواج يعيش بمنتهى السعادةِ مع فتاة شابة في سن ابنته حلت عليه واستولت على كل شيء كان لها (حبه وبيته وماله)
 
تأثرت السيدة (س) كثيراً فهي التي وهبت زوجها ربيع عمرها وكافحت معه منذ كان فقيراً لا يملك شيئاً ، حتى أصبح ذو شأن ، يملك بيت وسيارة ورأسمال كبير. تحسرت لأنها بعد كل التضحيات والكفاح والسنوات العجاف التي أمضتها مع زوجها أصبحت مجرد طليقه ترعى له أولاده في الدور الأول.
لم تصبر السيدة (س) . أخذت نفسها وذهبت إلى مفتي المدينة . قالت له :
كنت أظن الشرع حينما حرّم على زوجي استرجاعي بعد الطلقة الثالثة أنه بذلك يعاقب زوجي لأنه لم يستطع أن يحفظ كلمة (أنت طالق) أمامي ، وأن الشرع يحميني حتى لا أكون عرضة للطلاق والاسترجاع على مزاج الرجل . لكنني لم أجد يا سيدي المفتي أن الرجل يتعرض لأي عقاب ، أنا التي عاقبني الشرع . بينما رجلي يعيش سعيداً بعد أن تزوج بفتاة غيري ، وما كان يفعل لولا أنكم حرّمتم عليه استرجاعي. 
كيف أكون أنا الضحية وهو المذنب يا سيدي؟ 
كان المفروض على الشـرع أن يحرّم على الرجل الزواج نهائياً بعد الطلقة الثالثة إذا كان هناك عدلاً . فالرجل الذي لا يستطيع أن يتماسك دون أن يتفوه بالطلاق مع زوجته الأولى لا يستطيع ذلك مع الثانية.. أما أنه يسمح له بالزواج فأنا أولى به من غيري..
أيعقل يا سيدي المفتي أن هذا الدين الذي أنزله الله رب العالمين .. يتمسك بالطلاق أكثر من الأسرة؟ أي دين يسمح بتمزيق الأسرة إذا أخطأ الرجل في لحظة غضب وقال لزوجته (أنت طالق)؟؟؟ كلمة تمزق أسرة الى الأبد ؟!!!! 
أيعقل أن يكون مصير الخلية الأولى في المجتمع البشري والمؤسسة الاجتماعية الأولى للتنشئة والتربية وإعداد الأجيال ، والذي إذا فسدت تفسد الأجيال القادمة ـ معلق بكلمة غير حكيمة ؟

هناك 3 تعليقات:

  1. الاديب العلفي
    قرأت بمتعة وبشغف قصتك المؤثرة التي ما كانت لتكون بهذه الروعة لو قصتها امرأة معذبة وهذا دليل على تصالح فكرك وادبك مع انسانيتك وتفهمك العميق لمعاناة المرأة التي طالما كانت هما كبيرا من هموم حياتك اليومية كما عرفتك كصديق على صفحات النت. حقا من هنا نبدأ بالصعود تباعا على سلم الحقيقة وتغدوا الاسئلة حقائق ومعضلات لا تكفي لحلها سياسة الترويع والتخويف وتكميم الافواه. كم اتمنى ان تكون النساء بدرجة وعي ادبك وفكرك وينهضن بحثا عن حلول لرقهم وعبوديتهن دمت ودامت همتك العالية

    ردحذف
  2. الأستاذة الرائعة شذى
    أسعد الله أيامك .. ويارب لا يحرمي صفحاتي من نور حضورك البهي ..
    شرف كبير لي ان أكون أديب .. إلا أن الحق يقال (رحم الله امرئ عرف قدر نفسه )ما زالت محاولاتي طفيفة ولا ترتقي للمستوى الذي يجعلني أديب ..
    انا باحث اجتماعي هو تخصصي العلمي والمهني ..

    بالنسبة لهذه القصة ثمة حالات في محيطنا الاجتماعي في أوضاع أسوء بكثير من وضع السيدة (س) الا أنني تعمدت أن أبرز معاناة أفضل الحالات لأكشف الشرخ في بنية الوهم القائل بأن الطلاق اللفظي يحمي المرأة كزوجة من استهتار الرجل (الزوج) . بينما هو في حقيقة الأمر قمة الاستهانة والترخيص والتدنيس لمكانة المرأة التي هي الشريك الأساسي في تكوين الاسرة وبناءالمجتمع كـ (زوجة وأم).. يا سيدتي المراة في مجتمعاتنا جعلها المشرعون معلقة في لفظة عابرة بلسان الرجل قد تكون زلة لسان او لحظة غضب أو تعبير عن السلطة . هي كلمة يطلقها الزوج تُرمى بموجبها(الزوجة / الأم)في الشارع. والمضحك المبكي ان القائمين على الشرع يزعمون أن الدين عندما وضع العصمة بيد الرجل فذلك لأن الرجل أكثر حلماً وتعقلاً من المرأة .ولو كانت العصمة بيدها لطلقت الرجل بمجرد شجار صغير ينشب بينهما .. مضحك لأنه لا يتعدى وهم ليس له وجود في الواقع ، ومبكي لأنه إنكار لتضحية وحلم وتعقل المرأة من أجل الحفاظ على الأسرة وعدم تشريد الأطفال بل ومن أجل حبها وإخلاصها لزجها.
    والدليل على ذلك أن أكثر الرجال يحلفون بالطلاق لإخضاع زوجاتهم وإجبارهن على الانصياع لهم كلما عاندت الزوجة ولم تنفذ أوامر وتوجيهات الزوج ، حيث يعتبر الرجل بأن كبرياءه وهيبته وسلطته في البيت تنتهك إذا عاندته المرأة ولم تنفذ آوامره (بغض النظر هل هو على حق أو على باطل) الواجب على الزوجة أن لا تعصي زوجها وفقاً لشريعة الرجال .. فإذا ما فشل الرجل من اخضاع زوجته بتكشير وجهه عليها ورفع صوته فوقها فإنه يلجأ الى الورقة القاتلة وهي يمين الطلاق ، إما أن تنفذ أوامره أو تكون طالق ..

    لو وقفنا قللاً عند (يمين الطلاق) لوجدنا أن الرجل بحلفه لليمين يتخلى عن العصمة التي بيده (لعدم قدرته على حملها) وينقلها الى زوجته بحيث يكون القرار النهائي للطلاق من عدمه مع الزوجة فإما أن تتنازل لتحفظ الأسرة أو تابى حفاظاً على كبرياءها فتضحي بالأسرة.. وفي مجتمعاتنا غالباً ما تضطر المرأة لأن تتنازل وتضحي بكبرياءها وتخضع لأوامر الزوج حتى لوكانت غير مقتنعة من اجل عدم تفكيك أسرتها ..
    أليست المرأة بذلك أكثر حلما وتصبراً وتعقلاً من الرجل ؟

    إن الطلاق اللفظي بناء على ما سبق ذكره هو الورقة القاتلة التي يستخدمها الرجل لاخضاع المرأة لسلطته، فالطلقة الأولى والثانية ما هي إلا مجرد إنذارات للمرأة بعهدها تشعر المرأة الأكثر حرصاً على الاسرة بأن أسرتها مهددة بالانهيار فتتنازل عن كونها انسان شريك في تكوين الاسرة وتخضع لكل شيء يصدره الرجل خوفاً ان تنتهي اسرتها الى الابد بالطلقة الثالثة .. وفي النهاية هي الخاسرة وليس الرجل كما تبين من خلال قصة السيدة (س)..

    أشكرك عزيزتي على المرور والتعليق .. واتمنى أن نتواصل أكثر ..

    ردحذف
  3. استاذ العلفي
    رجعت لقراءة ردك الذي ينم عن عدالة بقضية المرأة واحترم ما ورد فيه من نقاط مهمة تدل على وعي اكيد بالضيم الكبير الذي تعانيه المرأة ويستحق من المجتمع المزيد والكثير لرفعه. انت اديب قرأت وعلقت لتوي على رسالتك لأنثاك وتواضعك لا يلغي رقة وجمال ورشاقة عباراتك تحياتي

    ردحذف