الأربعاء، 27 يوليو 2011

الثورة وقعت ، فهل يؤمن الثوار بمطالبها؟


بقلم عبدالله يحيى العلفي



لست ضد ثورة الشباب ولا استهين وقوعها. فالثورة وقعت فعلاً ومن الغباء إنكارها أو تأويلها، وإلا لما صمد الشباب هذه الفترة الطويلة في ساحات الحرية والتغيير رغم الأزمات القاسية التي يتعرض لها الشعب منذ بداية الاعتصام . ومع ذلك فإن ممارسات العنف المعنوي الصادرة من شباب الثورة ضد أنصار النظام تبقى مرفوضة . كما أن لغة الإقصاء وإلغاء الآخر والإضرار بالمصالح العامة والخاصة لا قبول لها ، ومرفوض أيضاً العنف المسلح والنهب والقتل وسفك الدماء وتدمير مكتسبات الشعب سواء باسم الثورة أو باسم الدفاع عن النفس. وإذا كان قيام الدولة المدنية الحديثة هو الهدف الرئيس من هذه الثورة فإن مفهوم المدنية يحمل في شكله ومضمونه معاني الحرية والديمقراطية والتعددية وفق ثقافة متينة وقانون قوي يحميان التعايش المتكافئ والعادل بين القوى والفئات الاجتماعية والسياسية والدينية المختلفة التي يتكون منها المجتمع . وعليه أتساءل كيف يمكن أن يكون الهدف من الثورة هو إقامة دولة مدنية حديثة وهناك من يعمل باسم الثورة على ممارسة الإقصاء والإلغاء ، ويكرس الأحقاد والكراهية، بل ويمارس العنف المادي والمعنوي! في الوقت الذي ينبغي أن يكون الثوار هم القدوة الحسنة التي تبشر بعهد جديد يُحترم فيه الرأي والرأي الآخر، قوامه السلم والتعايش البناء. لا أخفي على القارئ أنني أيقنت اليوم أن معظم شباب الثورة لا يؤمنون بمطالبهم الثورية باستثناء شعار "الشعب يريد إسقاط النظام". الأمر الذي يجعل الحاجة إلى إعادة صياغة الثقافة الثورية في وعي الشباب أكثر إلحاحاً من الثورة ذاتها. لأن الثورة لا تعني التخلص مما لا نريد فحسب إنما تعني أيضاً الحصول على ما نريد ... والحصول على ما نريد يضعنا أمام سؤالين هامين الأول: ما هو الذي نريد الحصول عليه ؟ وبصياغة أوضح، ما هو الشكل الجديد للنظام الذي نريده أن يحل محل النظام القديم ؟ والسؤال الثاني : هل الجديد متوفر فعلاً ليحل محل القديم ؟ لعلي لست مخطئاَ إن ضربت مثلاً ما بشخص يرتدي ثوب بالي ورث ، وأصبح لزاماً عليه أن يغيره بثوب جديد. فمن ناحية أولى على هذا الشخص الذي قرر تغيير ثوبه القديم أن يكون لديه وعياً كاملاً بشكل ومواصفات الثوب الجديد. ومن ناحية ثانيه من غير الممكن عليه أن يخلع الثوب القديم ويبقى عارياً حتى لو كان القديم رثاً وغير صالح للاستخدام إلا إذا كان الجديد متوفر بين يديه ليحل فوراً محل القديم. ولو عدنا إلى السؤالين السابقين ، نجد أن الإجابة على السؤال الأول قد تم تأجيله من قبل الثوار إلى ما بعد إسقاط النظام، وهو الخطأ الفادح الذي أضعف الشباب اليوم بعد مرور ستة أشهر واظهر انقسامات كبيرة في صفوف قوى الثورة المتباينة فكرياً وسياسياً . فبينما يتمسك فريق من الثوار بأن يكون النظام الجديد نظاماً إسلامياً يستمد قوانينه من الكتاب والسنة ، يطالب فريق ثاني بإقامة نظام مدني حديث مستقل عن المؤسستين الدينية والعسكرية، وشتان بين الفريقين لأن نظرية الحكم عند كلاً منهما وجدت أساساً لرفض نظرية الآخر جملة وتفصيلاً الأمر الذي يجعل المعضلة بينهما أكثر تعقيداً من معضلة إسقاط النظام ذاته ... إنه نفس الفخ الذي وقع فيه الشعبين المصري والتونسي ولم تبرز عواقبه الوخيمة إلا اليوم. وأخيراً أزعم أن إقامة نظام حديث عادل أصعب بكثير من إسقاط نظام عجوز فاسد . فالهدم يبقى فعل سلبي والبناء فعل ايجابي ... أو بحسب المفكر حسن الترابي " إن إحقاق الحق أصعب بكثير من إبطال الباطل ".
إننا اليوم أمام تحدٍ كبير يتطلب من الجميع مواجهته بضبط النفس والاستعداد لأن يفهم كل صديق صديقه من خلال الحوار بصدور مفتوحة تغّلب المصلحة الوطنية، وترفض اللجوء إلى العنف بشكليه المعنوي والمادي، كل ذلك يتجاوب مع المصالح الوطنية للشعب ومصالح جميع القوى السياسية الرشيدة في المجتمع اليمني...

عبد الله يحيى العلفي
     27/7/2011   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق