الجمعة، 20 يناير 2012

هل سينجو صالح من فخ معارضيه..؟



ساندرا ايفانس :
19 يناير 2012

قبل يومين من هبوط طائرة مبعوث الأمم المتحدة في مطار صنعاء الدولي، دفع البنتاغون بإحدى بوارجه الحربية في قاعدة "دييغة غارسيا" في المحيط الهندي باتجاه خليج عدن..
كان ذلك سيفهم كتهديد لأطراف الأزمة اليمنية، أو في ضوء تقرير متزامن بثه موقع "المارينز" عن تزايد أعمال القرصنة البحرية، لولا معلومات كشفها السيناتور "جون ماكين" عن زيارات سرية إلى صنعاء قام بها قائد قوات مكافحة الإرهاب الأمريكية المرابطة في "جيبوتي" وتلميحه إلى "وجبة دسمة" تطبخها واشنطن مع أطراف يمنية "متعاونة" تتعلق بملف تنظيم القاعدة في اليمن.
رغم أن ذلك لم يبد استثنائياً مع وضع اليمن المضطرب سياسياً وامنياً، لكنه في الرواق الخلفي للبيت الأبيض مثل تحركاً استثنائياً مدفوعاً بتعاظم قلق الإدارة الأمريكية من فشل محتمل للتسوية السياسية بين نظام الرئيس صالح وتحالف المعارضة.. فالحزب الديمقراطي استهل اجتماع بداية ديسمبر بتحذير من "إشارات" لوكالة الاستخبارات المركزية عن "تكتيكات جديدة" للإسلاميين في اليمن تنبئ بفوضى قادمة، وأبدى خشيته من صعود سريع للجماعات الجهادية على مسرح الأحداث، وانعكاس ذلك على نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية..
تكاد آراء المحللين في أغلب الصحف الأمريكية الكبيرة تتفق على عدم استعداد إدارة أوباما لأي تدخل عسكري واسع في اليمن، لكنهم شبه واثقين بأن واشنطن تلعب باوراق "رابحة" مع بعض أطراف الأزمة اليمنية بحثاً عن فرصة مضمونة لإحراز نصر نوعي على تنظيم القاعدة قبل انفجار الفوضى المحتملة- على غرار قتلها الداعية الأمريكي من اصول يمنية "انور العولقي" الذي يعتقد أن "ضابط كبير قام باستدراجه باتفاق مع الأمريكيين.
حتى الآن لم يسرب الأمريكيون أي معلومات عن "التكتيكات الجديدة" التي تقلقهم، لكن في أروقة وزارة الخارجية الألمانية كان هناك من يساوره قلق مماثل إلى حد ما من حملات تحريض منظمة ضد الاتفاقية الخليجية، وكذلك للانتقام من النظام وأركانه، وأن الإسلاميين ينشرون مئات الدعاة وخطباء المساجد لهذا الغرض.
أحد الدبلوماسيين الألمان أخبرني بأن زعيم أحد الأحزاب الليبرالية في تحالف المعارضة سرب معلومات لسفير الاتحاد الأوروبي بصنعاء  عن "خطة" للإسلاميين تبدأ بالتهيئة النفسية للمحتجين بنزعة الانتقام، وتنتهي عشية يوم الاقتراع للانتخابات الرئاسية في فبراير القادم بإطلاق أيديهم لتفجير ثورة انتقامية من النظام وأركانه، بعد أن يكون "صالح" فقد صفته وحصانته كرئيس لليمن.
ويعتقد هذا الدبلوماسي أن السيد "جمال بن عمر" ارتكب خطأ بعدم مطالبة القادة المعارضين الذين وقعوا الاتفاقية الخليجية بتحديد القوى التي يمثلونها من اجل تقييم مدى تنفيذهم الاتفاقية.. ويقول: أن هذه الثغرة ستقود المساعي الدولية للفشل كون التقييم الحالي ينظر إلى التزام الأشخاص الموقعين وليس التنظيمات التي يمثلونها..!
يبدو أن واشنطن لا تثق بنوايا المعارضين اليمنيين، ولا تتوقع أن يتخلى الإسلاميون والفصائل القبلية عن مراهناتهم على العنف، لذلك هناك حديث في عدة أوساط أمريكية حول رغبة أمريكية شديدة لبقاء أقرباء الرئيس صالح الذين يتزعمون وحدات عسكرية وأمنية في مناصبهم، خوفاً أن لا يجد نائب الرئيس عبد ربه منصور من يدعم خططه في التصدي للمتطرفين، والحفاظ على استقرار اليمن.

لكن منذ توقيع الاتفاقية الخليجية والشباب في ساحات الاحتجاجات يتظاهرون يومياً للمطالبة بمحاكمه "صالح" وأقربائه، وهم يقولون في قناة "الجزيرة" إن قادة احزابهم تعرضوا لضغوط دولية أجبرتهم على توقيع الاتفاقية، إلاّ أنهم لا يتحدثون عن نوع هذه الضغوط، أو ربما لا يعرفون شيئاً عنها..فقادة المعارضة رفضوا بداية العام العروض المغرية التي قدمها "صالح" لهم، لكنهم وافقوا مع نهاية العام على توقيع اتفاقية أقل إغراء بكثير من كل العروض السابقة..
البروفسور "أدولف بريختمان" الذي يعد دراسة لمؤسسة "جيمس تاون" عن الثورات العربية، قال أن قرار مجلس الامن الدولي (2014) منح الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وصاية على اليمن، وفوضها بالتدخل بشئونه، لأن هذه الدول هي التي تمتلك اوراق الضغط على النظام والمعارضة.
ويعتقد "بريختمان": أن معظم قادة المعارضة المتحكمين- مالياً وسياسياً- بساحات الاحتجاجات متورطون بقضايا الإرهاب وتجارة الأسلحة وتهريبها إلى بلدان خاضعة للحظر الدولي، وقضايا غسل أموال، وفساد مالي بجانب تورط بعضها بالتدبير لاغتيال "صالح" بتفجير مسجد كان يصلي فيه..وهذه القضايا يستخدمها الأمريكيون والأوروبيون لإملاء أوامرهم على قادة المعارضة.. فالخوف من مجلس الأمن هو خوف من ملفات شخصية يمكن للغرب استغلالها لاصدار مذكرات اعتقال دولية مماثلة لما صدر بحق الرئيس السوداني ووزير دفاعه.
حديث "بريختمان" ذكرني بمقطع فيديو شاهدته أواخر مارس الماضي في صفحة شباب ثورة اليمن على فيسبوك، وظهر فيه داعية إسلامي محاط بآلاف الشباب المحتفلين بانضمامه لثورتهم وكانوا يتدافعون للوصول إليه كما لو كان ملاكاً مقدساً.. لقد صعقت عندما أخبروني أنه "عبد المجيد الزنداني" المطلوب للولايات المتحدة بتهمة تمويل وتجنيد الارهابيين، وكان من قبل زعيماً للمجاهدين الأفغان، ثم أصبح رئيس جامعة الإيمان التي تنشر التطرف.. من يومها عرفت أن ما يحدث في اليمن ليس ثورة!!
عدة مسئولين أمريكيين اخبروني أن نفس الفيديو صعق البيت البيض أيضاً، وأن وكالة الأمن القومي عقدت مساء نفس اليوم اجتماعاً طارئاً لمناقشة الموضوع. فالأمريكيون كانوا متفاجئون أنهم يدعمون ثورة تقدس رؤوس صناعة الإرهاب في المنطقة..
قال أحد المسئولين الأمريكيين أن لديهم معلومات مؤكدة أن "الزنداني" ومعه "الجنرال علي محسن" كانا وراء تجنيد الإرهابيين وإرسالهم للعراق. وإن اثنين من أحفاد "الزنداني" شاركا في العمليات الإرهابية بالعراق، وأحدهم انتحر بحزام ناسف وسط المدنيين في "الرمادي"وهو إبن ابنته "عائشة" مديرة قسم النساء في جامعة الإيمان، وإحدى أبرز المسئولات عن جمع التمويلات للقاعدة عبر حفلات خيرية تحضرها زوجات الدبلوماسيين العرب وكبار رجال الأعمال والشيوخ في اليمن.
"الزنداني" ليس وحده في ساحة الثورة بل أن نجل "محمد المؤيد" الذي كان معتقلاً في أمريكا بتهمة تمويل الإرهاب يشغل مركز مدير لجان تنظيم الساحات.. و"عبد الله صعتر" المطلوب لأمريكا منذ 2004م بتمويل الارهاب وحكم على سائقه "نعمان المفلحي" بخمسة سنوات سجن هو الإمام الديني للثوار في صنعاء.. بينما الجنرال "علي محسن الأحمر" الذي يوصف بحاضن الجماعات الجهادية هو مسئول أمن ساحات الثورة.. وهناك العشرات من قادة التطرف اتضح انهم يقودون ثورة اليمن، بينهم زوجة زعيم قبلي بارز جداً تعمل في جامعة الزنداني ايضاً وتتولى مسئولية قيادة ساحة نساء الثورة..!!
إن تفشي الفقر والجهل وضع مصير اليمنيين بأيدي شريحة انتهازية من كبار الفاسدين في السلطة والمعارضة الذين يحركون بثرواتهم الطائلة ونفوذهم الساحة الشعبية ضد كل من يمس مصالحهم. فعندما بدأت اليمن عام 2006م بإنشاء هيئة عليا لمكافحة الفساد تحرك الفاسدون بالسلطة والمعارضة لدعم حركة انفصالية جنوب البلاد ثم فوضى في شمالها. وعندما اشعل الشباب ثورتهم ضد النظام في أول فبراير الماضي من أجل بناء دولة مدنية تحرك نفس لوبي الفاسدين إلى ساحات الثورة وأفسدوها وأسقطوها، وجعلوا أنفسهم أمام العالم هم قادة الثورة، وكان هذا من أكثر أحداث اليمن المثيرة للسخرية!
أحد الناشطين في منظمة (رند) الأمريكية قدر النفقات الشهرية التي يصرفها لوبي الفاسدين على ساحات الاحتجاجات بحوالي (15) مليار ريال يمني (قيل لي أن الدولار يساوي 228 ريال) يعني خلال 12 شهراً يصبح الإجمالي (180) مليار ريال. هذه ثروات طائلة جداً قياساً إلى مستوى فقر اليمن قد تظهر حجم إمكانيات لوبي الفاسدين على شراء كل شيء في اليمن من أجل حماية نفسه. لذلك لا أتوقع استقرار اليمن قريباً، لأن من يملكون المال نادراً ما يتفقون مع بعضهم البعض، وسيتجه كل منهم لدعم فصيل.
يقول سياسيون جنوبيون لاجئون في ميونيخ أن "صالح" أصر على الضمانات الدولية لتوقيع الاتفاقية الخليجية لأنه يتوقع أن التحالف الاسلامي القبلي لديه مخططات لن يصلها إلاّ بإشعال حرب أهلية. ويتفقون مع "صالح" في هذا الرأي فقط، حيث يعتقدون أن الاسلاميين والقبليين يسعون لمواصلة نهب ثروات الجنوب النفطية ومنع الجنوبيين من الاستقلال، وهذا لن يحدث إلاّ إذا بالحرب لأنهم لديهم فرقة جيش مدرعة وفصائل من المتطرفين الجهاديين!
ورغم أن البروفسور "بريختمان" يعتقد أن التعبئة للشباب من قبل الاسلاميين والقبليين قد تقود لأعمال انتقامية واسعة لكن من السهل للمجتمع الدولي تحديد القادة المسئولين عنها وإدانتهم وإجبارهم على السيطرة عليها، إلاّ أنني ما زلت مصرة بأن الوساطة الدولية تفتقر للتوازن وبعد النظر. فهم لم يعترفوا بقضية الجنوب ولا قضية الشيعة في الشمال رغم أن كلا القضيتين لهما امتداداتهما الإقليمية.. ولا أستبعد أبداً أن يكون ذلك مقصوداً لتحقيق مشروع تقسيم اليمن مستقبلاً.
في الوقت الحاضر،أرى مؤشرات تؤكد أن التحالف الإسلامي القبلي يسعى لاستدراج "صالح" إلى فخ الانتقام. فالمبالغة بالتصريحات الحميمة من قبل خصوم "صالح" في الحكومة ليست إلاّ محاولة لطمأنته وأركان نظامه وإغرائه بالبقاء داخل اليمن وعدم السفر إلى الولايات المتحدة.. فهم يعلمون أن الانفصاليين الجنوبيين والحوثيين سيقاطعون الانتخابات الرئاسية، ومعهم أيضاً قواعدهم الحزبية في ساحات الاحتجاجات الذين يحرضونهم يومياً على الانتقام..إذن من سينتخب الرئيس البديل لـ"صالح"..!؟

إن هذا الوضع يؤكد المعلومات التي تم تسريبها لسفير الاتحاد الأوروبي بصنعاء حول تخطيط خصوم "صالح" للدفع بقواعدهم عشية الانتخابات الرئاسية إلى الشوارع لمهاجمة المقرات الرئاسية والحكومية والانتقام من "صالح" وأقربائه وأنصارهم بحجة إنتهاء حكمه وفشل بديله المرشح "عبد ربه منصور" في الحصول على النسبة القانونية!

ما يحدث في اليمن شيء غير معقول إطلاقاً وقد يقود اليمنيين إلى الهلاك. فالاتفاقية الخليجية التزم بها نظام "صالح" لكن من الجانب الآخر لم يلتزم سوى ستة أشخاص هم قادة الأحزاب الذين وقعوا على الاتفاقية بينما مساعديهم وكل قواعدهم موجودون في ساحات الاحتجاجات يعلنون أنهم ضد الاتفاقية ويتوعدون بالانتقام.. وهذا شيء خطير!

إن المخرج الوحيد الذي قد يفشل مخطط فوضى الانتقام هو أن يغادر "صالح" اليمن بأسرع وقت كي لا يجدوا خصومه سبباً لاشعال الفوضى.. وأعتقد أن هذا الحل يحرج خصوم "صالح" أمام قواعدهم ويظهرهم كمهزومين، لكن هؤلاء القادة لا يهمهم الاحراج بقدر ما يهمهم إقرار البرلمان لقانون الحصانة لأنه ينقذ كبار قادتهم من المساءلة القانونية سواء عن تورطهم بحادث تفجير دار  الرئاسة، أو بقضايا متعلقة بانتهاكات مارسوها ضد الشباب الثوار، أو المساءلة بشأن جرائم فساد جمعوا منها ثرواتهم الطائلة. فعادة مثل هذه الملفات يجري فتحها بمجرد حدوث التغيير واستقرار الأوضاع السياسية، وربما تعلموا الدرس من أحداث الثورة المصرية.
 السياسيون الجنوبيون في ميونيخ يعتقدون أن بلادهم في طريقها للانهيار، ويقولون أن التحالف الاسلامي القبلي الشمالي سوف يستخدم تنظيم القاعدة لتفجير الأوضاع إن عجزوا عن تفجيرها سياسياً، ويدعمون رأيهم بأن هذا التحالف لا يهتم للتهديدات الدولية لأنهم واثقون أن الولايات المتحدة لا تجرؤ على التورط في حرب معهم داخل اليمن.
ويؤكدون أن المشائخ من آل الأحمر وقائد الفرقة المدرعة المنشق والزعماء الاسلاميين يرفضهم اليمنيون جميعاً، وإذا حسمت الأزمة بطريقة ديمقراطية فإنهم سيكونون أول من يطالب الشعب بمحاكمتهم على جرائمهم ونهب ثروات البلاد. لذلك فهم يبحثون عن أي وسيلة لتفجير الحرب الأهلية والفوضى داخل اليمن، لأن ذلك يضمن لهم البقاء في مراكز زعامية..!
ويقول هؤلاء السياسيون الجنوبيون أن قائد الفرقة المنشق- الجنرال علي محسن الأحمر- لن يفوت فرصة الاستعانة بأتباعه في تنظيم القاعدة ليتمكن من تعميم الفوضى ومن ثم إعادة تقديم نفسه وقواته كمنقذين للبلد، من خلال تعهده بالقضاء عليهم..!
وهذا يعني أن مستقبل حكم اليمن سيؤول لأيدي مجلس عسكري برئاسة الجنرال محسن- وهو ما لن تعارضه الولايات المتحدة طالما الأمر متعلق بالقضاء على القاعدة. فاليمن بلد يطوقه البحر من جهتين وشريط حدودي طويل مع السعودية بإمكانها إغلاقه لو أرادت ذلك.. إلاّ إن مثل هذا السيناريو سيكلف اليمنيين أرواحاً كثيرة، ويضعنا أمام سؤال أقرب إلى اللغز: هل تقود الولايات المتحدة لعبة منفردة مع الجنرال محسن بمعزل عن جميع القوى الأخرى..؟ وهل سيكون السماح بالفوضى والإرهاب هو كلمة سرّ واشنطن لتقسيم اليمن بإطلاق أيدي الانفصاليين الجنوبيين والحوثيين لفرض سلطاتهم على مناطقهم!؟
يعتقد قسم من اليمنيين أن قادة المعارضة المناوئة لـ"صالح" لا ينوون تفجير الأوضاع، وأنهم يستخدمون المحتجين المرابطين في الساحات- فقط- كورقة ضغط سياسية.. لكنني أشك في هذا الرأي كثيراً حيث أن الأحداث في اليمن لا تحركها أطراف سياسية وإنما الأقطاب المسلحة ذات القوة والمال كالاسلاميين المتشددين والزعماء القبليين، لذلك أتوقع أن شهر فبراير سيبدأ صاخباً بأحداث مثيرة جداً.. وحتماً أن اليمنيين سينسون يوم الرابع عشر من فبراير شراء الزهور لزوجاتهم وصديقاتهم وتهنئتهن بعيد الحب..!!  

السبت، 14 يناير 2012

سنة أولى ثورة

بشرى المقطري
 (1)
لا تكفي النوايا الطيبة لتصنع ثورة بيضاء كما كنت أعتقد، لا تكفي أحلامك التي خرجت من أجلها لتلعن صرختك أنت والشباب الطيبين" الشعب يريد إسقاط النظام"، وبعد عشرة أشهر ما زال هذا الشعار كالسكين يتجول في حلوقنا، ولم نعد نعرف كيف نصرخ ليسمعنا العالم، لأن زوابعنا الرعدية لم تتخطى حدود الفنجان. أدرب لساني الآن على الصراخ وأنا اتجه إلى عدن علي استطيع استعادة جذوة البداية، ووهج الأحلام التي لا تنطفئ.
لكن التاريخ لا يعيد نفسه، إلا بشكل ملهاة أو مأساة، وها نحن نعيش جزء من تراجيديا النزع الأخير، تراجيديا حتمية النخب السياسة والقبيلة والعسكر والدين، تحالف التخلف في بلادنا، لكن ألا يحق لنا أن تساءل لماذا الثورات في بلادنا تنتهي إلى تسويات سياسية مريعة؟ وهل علينا أن نتقبل هذا المصير الحتمي؟
أتذكر الآن خيبة أبائنا وأجدادنا، وأدبائنا ومثقفينا بعد ثورة 26 سبتمبر، نضالهم الطويل ليسقطوا نظام الإمامة، لتأتي بعد ذلك القبيلة والرأس الواحد ليقطف ثمارها، ويكتبه حسب إرادة المنتصر وليسقط مشروع الدولة المدنية ولينتكس الحلم، ها أنا اليوم أشعر بحزنهم وبخيبتهم، وقد تحايل على ثورتهم لصوص الثورات.وهاهو النظام اليمني "القديم" يعيد إنتاج نفسه في دائرة حلزونية لا فكاك منها..

(2)
في تعز التي خلفتها ورائي كجرح مفتوح، المدينة التي خرجت من صيرورة العماء لتشق طريقها في لليل الحديد والنار، لينادي أبناءها بفجر جديد ليس فيه دكتاتور البلاد الحزينة، هذه المدينة التي تضمخت سماءها بالدماء: أكثر من ألف شهيد مدني ومسلح، وقوافل من النساء الشهيدات، وأكثر من ثلاثة ألآلاف جريح، وأكثر من ثلاثمائة أسرة نازحة، المدينة الوحيدة التي أحرقت ساحتها وجرفت جثث أبناءها وسحلت في ميادين الحرية، المدينة التي غزاها "هولاكوا" ليدمر وجهها الحبيب، المدينة التي رفضت أن تكون محطة ترانزيت لصراعات العسكر وجنرالات الحرب، وأن تكون معادلة بائسة لناهبي الثروات ومشعلو الحرائق، هذه المدينة التي تنمو في دمي كغيمة متفتحة كلما استكنت في ظل العزلة، وآلمني الدمار الذي يلتف حولي، لقد قوضوا فيها كل شيء، ولم يعد فيها سوى جبال من النفايات ومنازل مهدمة ومعطوبي ثورة، ونواح في كل بيت، حياة متعبة لكنها تتسع للكون لأن في نبضها: شباب التصعيد الثوري.. شباب الحياة.

(3)
في الـ20 من ديسمبر. قرر هؤلاء الشباب. الشباب المندس، الشباب المنفلت من قيد الأحزاب العفنة، المعفرة وجوههم في الشمس والذين يجوبون المدينة في مسيرات يومية سلمية تتصدرهم سيارة ربع سوداء، للعزيز الرفيق. محمد صبر، أن يشقوا مسارات الرمل والحصى مشياً على الأقدام إلى صنعاء، لم أكن استوعب في عقلي المتواضع هذه المسيرة الجنونية وكنت كغيري أجزم بأننا لن نصمد وأن آلة القتل ستعترضنا في أي زقاق، خاصة وأن الأحزاب لم تكن راضية عن مسيرة ستقلب طاولة الرهانات السياسية على لاعبيها، انجررت معهم، تسوقني متعة الكاتب لأن يرى بعينه ما سيحدث، كنت أنقاد بوله أعمى إلى مسيرة الحياة، وكان الأمر في مخيلتي أشبه برحلة أسطورية قديمة قطعها الآباء في أيام النضال السري، وكنت أكتب حتى أفقد متعة الكتابة وأتجاوزها إلى متعة النظر الحسي وأنا أتذوق بعين مغمضة مشاهد الطبيعة: الجبال والوديان وقباب الشمس، وأرى النساء والشباب يمشون إلى جوار بعضهم في مشهد مدني لم تعشه هذه البلاد في تاريخها، ستة أيام من القيظ، ثم ستة أيام من البرد، ستة أيام من الحلم، ستة أيام من الجنون، مازلت أذكر مشهد وصولنا إلى ذمار، والقبائل تحيينا، ولم أكن قد عايشت القبائل أبداً، دائماً ترعبني ملامحهم وصوت الرصاص، كانوا يحتفلون بنا على طريقتهم البسيطة، والنساء يحجرن  حولنا. كان عرساً من أعراسهم البدائية، لكني كنت مفتونة بهذه الطقوس القبلية بالترحاب، مفتونة بهذه الطريقة البسيطة بالتعبير عن امتنانهم لنا. وكنت جداً ممتنة لهم، وللعالم، ولله، وللطرقات،وللحصى، وللبرد، ممتنة لأني كنت من حين للآخر أعبر صحراء رأسي ولا أجد سوى خوف نائي يطل بعينيه كلما اقتربنا من صنعاء.

(4)
كانت الأمور كلها طيبة"بلدة طيبة ورب شكور" لكن الأمور لم تعد طيبة، والرب الشكور لم يعد حاضراً في ليل خدار .. تركنا الرب نتدبر أمورنا، ولم نستطع أن نفعل شيء أمام عجزنا البشري، ياه كم أكره هذه المنطقة لما تبقى من حياتي.. العداء الذي كان موجه لنا، تهديدات الحرس الجمهوري وشتائمهم، عنجهية العسكر والقناصة متمترسين  في رأس الجبل، قبائل متعطشة لدمائنا وتنتظر الإشارة، الليل مظلم ولا نستطيع رؤية أقدامنا، وملايين من الشباب بثياب صوفية لاتقي من البرد في الشوارع وفي الوهاد، أقدامهم شققها المشي، حالات إغماء وتعب، لكن قبائل المنطقة لم تسمح لهم في البيات. هنا القبيلة تعبر مرة أخرى عن غريزتها الوحشية: قبائل النظام المتهاوي. مازلت أذكر صوت الرجل في الميكروفون وهو يستجدي إمام المسجد، ويستحلفه بكل أنبياء الله والصالحين أن يفتحه للشباب ليناموا، النساء اتجهن إلى المدرسة، ولم تكن هناك أبسط الضروريات موجودة، كنت أقف وأنظر للشباب وهم يحرقون الأشجار حتى يتدفئوا من البرد القارص الذي كان قد وصل إلى أقصى درجاته. كان ليلاً طويلاً، ليلاً حزيناً ودامياً، كنت ارتجف حتى أقصاي من البرد والوحشة، وعيون لا ترحم تطل من بعيد، العسكر والقبائل والبيئة المعادية، والله الذي لا يرانا...

(5)
بعد ليل خدير الدامي، نهض الشباب باكراً وتابعوا مشهيهم الحثيث، وإن لم يفق كثير منهم من هول ما تعرضوا له في ذلك اليوم، لكن إصرارهم العنيد للوصول إلى صنعاء ودخولها في النهار كانت أقوى من كل الشدائد:أميال من الخطى اللاهثة، أميال من الأمل المنجلي، هاهي الثورة تحيى من جديد، كان مشهد سريالي، لن تستطع عيناك حصر الأفق، كائنات بشرية من كل المدن، اختلطت لهجاتها، بأحلامها، بعرقها، بتعبها، بأفكارها عن الثورة، كان انصهاراً لكل الفروق المناطقية والطبقية والطائفية، وعلى أعتاب صنعاء كانت القرى والأهالي وحتى قباب المآذن، وأسقف البيوت الطينية تلوح لنا بشعارات الثورة، شعارات تخص تعز الحبيبة، تعز بهية المدائن، كانت المشاعر الدافئة تكنس ما علق في أرواحنا من غبن، وتغسل كإسفنجه كل مشقات المسير، كانت المسيرة الراجلة مهرجاناً حقيقياً للحياة، كرنفالاً بشرياً ثورياً لانتصار كل قيم المدنية والحب والتسامح والإخاء التي شوهته الحروب والصراعات وقبائل الفيد وكهنة الدين في وعينا، وأنت ترى الحشد المليوني لن تصدق أن هذه الفكرة المجنونة"فكرة الحياة" تدحرجت مثل كرة الثلج ولم يستطع أحد إيقافها، لا النظام المرتعد من هول ما رآه ولا قادة المشترك الخائفون من الجنون التعزي القادم.

(6)
في دار سلم  حدثت المصيدة وحتى الآن وأنا أخوض رأسي لأسابيع وأتذكر ذلك النهار الحائر، لحظة، لحظة، وأشعر بأن ما جرى لم استطيع استيعابه.قبل وصولنا دار سلم، جاء أحد المفاوضين من ساحة صنعاء وأخبرني بأنه لابد أن نتجه إلى شارع خولان، لأن الطرق غير آمنة وكنت معتادة على هكذا تهديدات، أخبرته بأني مشاركة في المسيرة وليس لدي سلطة حتى على نفسي، بعد ربع ساعة، أظلمت السماء بقنابل الغاز وكنت كغيري من المصابين، ثم انهمر وابل الرصاص من كل صوب، سقط عشرات الشهداء، وكانت مسيرة قادمة من صنعاء في اتجاهنا، وأرادوا تفريقها، وفجأة توقف الرصاص وصرخوا" اجروا. لقد فك الحصار"، أي حصار هذا الذي فك فجأة؟ ومن كان يحاصر من ؟ حتى الآن لم أفهم؟. وكيف كان الحرس الذين يقتلونا قبل وقت، يلوحون لنا من بعيد. أحتاج لكتيبة من المحللين  السياسيين يقنعون رأسي البليد بما حدث في دار سلم؟!. لكن ورغم المذبحة كانت الجموع تهدر تريد السبعين، تريد لذلك الطاغية الذي منحه السياسيين الحصانة أن ينتزع من عرشه الطاوسي إلى أقرب مزبلة، كان العقل الجمعي هو سيد الموقف، حالة من اللاوعي الأعمى الصادق وهو يعبر عن مسارات الثورة الحقيقية، حالة من الحمى، حالة من الجنون الغاضب، صرخة واحد مدوية، هادرة كطوفان الماء ستضل تتردد في أعماقي حتى يوم الدينونة:السبعين.

(7)
لكن رب السبعين كان محجوباً بعباءة السفير الأمريكي، وبتصريحات السياسيين المرتعدين، وبابتهالات قادة المشترك الذين أفزعتهم هذه الجموع المزمجرة وأخرجتهم عن كل لياقة سياسية، بعد مذبحة دار سلم تفرقت أيدي سبأ، البعض اتجه ركضاً إلى ساحة التغيير، والبعض اعتصم في جولة "45"، وهناك أيضاً لم يرحمهم القتلة، قنابل الغاز والرصاص كانت في انتظارهم وسقط عديد من الشهداء. لم أدخل ساحة التغيير احتجاجاً على ممارسات بعض قوة الثورة التي استقبلت الشباب بالضرب والاعتداء والتحريض المناطقي القبيح، وصلت بيت رفيقتي هالة القرشي، الساعة الحادي عشر.. كان يوماَ شاقاً ومروعاً، يوماً دموياً، يوماً تفجرت فيه حلوقنا من البكاء لأننا شعرنا بمذاق الإهانة جلياً كالملح في الجراح المتقيحة من ألم المشي، كالشوك حينما ينغرس عميقاً في لحمك الطرية المتوجعة وحينما لم تستطع أن تبكي أمامهم لأنك مقهور، لأن الله خذلك، لأنك قطعت 256كليو من الحنين إلى صنعاء وفي رأسك كانت تلمع الأحلام المتوهجة كسنابل قمح، ثم فجأة كل شيء ينتهي.. يتلاشى كسراب ويبقى قلبك المخلوع وحيداً في الفراغ..

(8)
المسيرة حركت طحلب الماء الآسن من أشهر، من قبل توقيع المبادرة. أعادت لأصحاب الحق حقهم، أعادت" معنويا" الثورة للشعب، لذلك هي أفزعت العالم الداخلي والخارجي، أفزعتني أيضاً صرخة الشعب حينما يتجرد من سياط الساسة ومن لعبة التوازنات، أفزعني الهدير الصاخب لأكثر المشاعر نبلاً وديمومة، أفزعني المشي المحموم ليسطر بالخطى ما لم يقدر على كتابته حتى الآن عبقرية دون كيخوتة ونحن نطارد طواحين الهراء السياسي. وعندما لم يستطع بعض كهنة المشترك المتدينين وبعض أذناب علي عبدالله صالح تفريغ هذه المسيرة من روحها، بدؤوا بشن حملات على القائمين والمشاركين في المسيرة، حملات تشهير، واعتداء وتهديد، وتخوين، وتحريض، بل وصلت "الديماغوجية" ببعضهم أن اتهمنا بالعمالة الأجنبية لإيران لاسقاط المبادرة، والحصول على أموال طائلة. تصوروا" إيران" و" الحوثية" هذه التهمة التي يلصقها كهنة الدين الجديد على كل من يخالفهم في الرأي، وهم يكررون اسطوانة نظام صالح. لم يرعبني هذا العهر السياسي المروع، لأني أدرك أن هذه المسيرة هزت أبراجهم العفنة، لأنهم أدركوا بأن هناك شعب جبار خارج المعادلة السياسية، ويستطيع هذا الشعب أن يحطم قيود الارتهان السياسي..

(9)
لكني ورغم هذه المسيرة الرائعة أشعر بخيبة كبيرة بحجم الله تتربع فوق صدري، خيبة الكاتب عندما تؤول أحلامه البسيطة إلى هباء، اتجهت إلى عدن علني أتخفف من كل الخيبات المتراكمة، عدن التي تخرج دائماً من قاع روحي كلما لمت بي النوائب، المدينة التي تمنحني توازناً فيزيقياً حالماً، المدينة التي يمكن أن ترى الله في بحرها وحيداً يطل عليك، طيباً ومتسامحاً، سترى الله في ضحكات الصياديين، وستسمعه في صوت امرأة عدنية وهي تضحك للعالم ملوحة للمارة بأن الحياة مازالت بخير، سترى الله حي في كل ما حولك، من صراخ الباعة لشجار الأولاد، لرائحة العود العدني، لزرقة البحر اللانهائية...

(10)
لكنك إذا فتحت عينيك جيداً سترى عدن أخرى تشكلت وفق إشتغالات السياسة، وحسابات الربح والخسارة، سترى الأعلام الجنوبية ترفرف في واجهات البيوت والمحلات والشوارع والأزقة: برع يا استعمار، ليخرج الشماليين من مدينتنا، الجنوب الحر يناديكم، الجنوب العربي، حب الجنوب يجمعنا، كنت أجوب عيني مذهولة من حملة الأعلام، ومن الجنوب الذي قسمته الحروب والأحقاد وصراعات الزعامات التاريخية الفارغة، الجميع يتحدث باسم الجنوب، وكل يرى بعينه حلاً لقضية الجنوب، ما بين" الفدرلة" وفك الارتباط"، و"حضرموت الكبرى"، شعارات كثيرة لم استطع حصرها، لكن رأيت جيلاً رائعاً من شباب الجنوب خال من أمراض الماضي وصراعاته، سيحقق صيرورته الفكرية والروحية وسيقرر مصيره بأياديه حتى وإن مازال صوته خافتاً.

(11)
وكانت هناك عدن أخرى، عدن الموجة السلفية الجديدة، كنت أرى الوهابيين الجدد، يمتدون لخاصرة عدن ملوثين هواء البحر وسكينة الروح العدنية الجميلة، هاهم يخرجون من كهوف الظلام، تجار الدين والموت والخراب، كان هناك حضوراً لافتاً للسلفيين وهو ما يهدد بنية عدن الثقافية وتسامحها، كان هذا الوهابي " الطارئ" يغزو عدن، وسترى في عينيك" الشعب يريد تحكيم شرع الله"،" الموت لأعداء الله"، وسترى أيضاً في الأسواق الملصقات الدينية التي هي صنيعة سعودية بامتياز، هذه السلفية الجديدة التي تبرز الآن بشكل جلي أيضاً في تعز وفي غيرها من المدن، هي الخطر الحقيقي الذي علينا تجفيفه، لأنها تهدد سلامة الحياة برمتها، سلامة التنوع، والاختلاف، ومحاولة تصدير حرب طائفية جديدة، واستنساخ التجربة البائسة للعراق...

(12)
في الشمال تدخل الثورة شهرها الحادي عشر، وفي عدن لم يعد هناك من ثورة، فقط في ساحة "كريتر" التي زرتها يرفرف علم وحيد وشاحب. ترى لماذا لم تستمر الثورة في عدن؟ لماذا صراخنا الحزين لم يصل إليهم؟؟. أدرك أن البعض يعتقد أن ناهبي عدن ومفتوو استباحتها في حرب94م هم اليوم واجهة الثورة، هم تحالف النظام القديم، نظام علي عبدالله صالح الذي حكمنا منذ أكثر من ثلاثين عاما، وأن هذا النظام "القديم الجديد" يعيد إنتاج نفسه لأنه لم يخرج من أرضية الفساد بعد، وأن سلاطين الأموال وجنرالات الحرب اعتلت الثورة، وأن المبادرة لم تقدم شيئاً للقتلة والمفسدين وناهبي الأموال سوى تخريج جميل للهرب، لكني اعتقد أن أبناء عدن وغيرهم من المدنيين هم التوازن الحقيقي لمشروع الدولة المدنية القادمة. وحتى لا تهددنا أوهام الخلافة الإسلامية..

(13)
كان علي أن أزوره: حكيم الزمن الأخير، أبو الرفاق الطيبين، الأستاذ: علي مقبل عباد ، رجل الحلول الصعبة والمستحيلة، الرجل الذي تتكسر الأمواج عند قدميه كصخرة، زرته في بيته الكائن"في خور مكسر"، بيت متواضع تكسوه الألفة والحب، كنت احترم صمته المهيب وأنا أحاصره بأسئلتي البلهاء: عن اليسار والثورة والنظام، والشباب؟، محاولة نبش ذاكرته المتعبة، وكان يلجمني بحكمته.. كلمات كحد السكين.. حكمة من نجى، نحن الرفاق الذين لم ننجو من ركام طواحن التواريخ والبله، كانت خيبته أكبر من خيبتي، وهو يتحدث عن لصوص الثورة؟ وعن النظام؟ والمبادرة؟ وعن أبين المصلوبة التي لم ينتبه إليها أحد، كان في كلماته جراح عميقة لم استطع أن أردم كوابيسها. كانت حكمته الرائعة ليقيس هذه الثورة من فوق جبل الله: حينما تعرفون أين تضعون أقدامكم وتكونون أحرار في خياراتكم ستستعيدون الثورة من اللصوص.
كان هذا الحكيم الطيب، بسنواته السبعون، بعينيه الثاقبة المكتظتين بالأحداث، بثيابه البسيطة التي تشبه سمو روحه، يلخص مفارقات ثورتنا، ومفارقات الحزب الاشتراكي اليمني الذي يتخبط الآن كقاطرة قديمة ويجر خلفه ملايين من الرفاق الطيبين.. الحزانى.

(14)
في الطريق إلى تعز كانت الأعلام الجنوبية تودعنا، وشعارات السلفيين، وكنت أفكر بمدينتي، تعز الحبيبة الملتفة بأوردتي، أفكر بها وبأبنائها الطيبين، هؤلاء الذين عليهم أن يحملوا ثارات الوطن وأحقاده على ظهورهم كصخرة سيزيف فقط ليثبتوا للجميع آدميتهم حتى لو تآكلت جلود أقدامهم في مسيرات تطالب بحق الحياة، حتى لو تيبست شفاههم وهم يمضغون " الصف ووحدة الصف". كم أنا حزينة من أجلهم لأنهم لا يدركون أن هذا الواقع الطحلبي الجديد لن يتشكل وفق أحلامهم لأن نظام صالح سيتحالف مع القوى التقليدية في نظام ما بعد صالح، سيتحالف أيضاً مع السلفية الجديدة التي تنهب الآن عدن لينتج نظام الكوارث والأزمات وحروب الطوائف، وسيبقى أبناء تعز المدنيين خارج التاريخ الواقعي، في تاريخ افتراضي فيسبوكي يشيدون فيه أحلامهم، لكني اعتقد أن علينا جميعاً أن ندرك بأننا مازلنا في كراسي المدرسة، في سنة أولى ثورة، لنتعلم من كل أخطاءنا ونستوعب تناقضات واقع الثورة الجديد، ولانستكين للأنظمة الجديدة القديمة المتحالفة على سحقنا، أنظمة الفساد التي رباها صالح وكهنة الدين السياسي، فهذا الوطن يحتاج لثورات عديدة لدك أسس التخلف والإقصاء والوصاية وتأسس ثقافة مدنية تعددية متسامحة بعيداً عن فتاوى الوعظ والإرشاد، نستطيع ذلك حتماً حتى لو بقت فقط تلك اليدان الوحيدتان اللتان كانتا تصفقان للحياة في ليل خدار. 

السبت، 7 يناير 2012

حرارة جسمي مرتفعة

حبيبة الروح ... يا وجه النور الدافئ 

بينما أنا مريض بالبرد .. وصدري يؤلمني وحرارة جسمي مرتفعة ، رأيتك في حلم جميل لن أنساه يوماً ، ولا أظنني سأحلم مثله ثانية . وعندما استيقظت من نومي  كتبت لك هذا :

الساعةُ تسعه
وحرارة جسمي مرتفعهْ .
آهٌ لو  يُمناكِ على 
جبهة رأسي موضوعهْ
لو مسحت من صدري وجعي
وأزالت من خدي دمعهْ.. 
أنفاسي انتِ وعلاجي .
 ورحيق مسائي والشمعة . 

يا أروع ما خلق اللهْ
يا سفر العطر على شعرك
ما حيلة عاشق نجواهْ
أن يلثم شيئاً من ثغرك
ولتفنى حرقاً شفتاهْ
ويموت سعيداً في صدرك

عبدالله يحيى العلفي
8/1/2012