أميمة أحمد - الجزائر
راحت بايا تقرأ قصيدة أمام دهشة ضياء بها، الذي لم يرها من قبل وعرفها بما سمع عنها، تكاد عيناه تحضنها فرحا بها وهي تقول:
تربّص بي الحزن لا تتركيني لحزن المساء
سأرحل سيدتي
أشرعي اليوم بابك قبل البكاء
فهذي المنافي تُغرّر بي في انتظار
تراودني للرحيل
عله يشفي غليل الحنين
حنين إلى وطني
صار رحلة عشق دائمة في الخيال
كانت أحلام تستمع لأول مرة إلى بايا وهي تقرأ شعرا، كان صوتها موسيقى لآلة لم تخلق بعد، فيه مساحة حزن، وكان خُلق للفرح، وعزف الصوت لحنا آخر، لحنين أشبه بالعشق. وكان ضياء يستمع إليها بشيء من الذهول، وكأنه فجأة جلس خارج الزمن، وخارج الذكريات المؤلمة التي عبرت حياته، ليستمع لها. وعندما سكتت بايا راح يقرأ بقية تلك القصيدة، كأنه يقرأ لها طالعه لا غير.
ومالي سواك وطن
وتذكرة للتراب. رصاصة عشق بلون الكفن
ولا شيء غيرك عندي
مشاريع حب لعمر قصير
وحبك مشروع عمري
فأنت لي. فأنت لي
في تلك اللحظة، سرت شحنة من الحزن المكهرب وربما من الحب المكهرب بيننا نحن الثلاثة، واخترقت ثغورنا كجداول الربيع.
- 2 -
أحب بايا، قالت أحلام لنفسها، مبهورة بها، أعطت ضياء ما افتقده عندي، كلمات الحزن، وكلمات الوطن، وكلمات الحب أيضا، حبها لها متفرد في تضاريسه وأشكاله وألوانه، غير مألوف لدى الناس. أشعر في هذه اللحظة أن بايا أصبحت قلبنا معا. وبشيء من الحسرة والحزن تابعت أحلام، كان يجب أن أتوقع كل هذا، فهل كان يمكن أن أوقف انجرافهما كسيل جرف كل أعراف الحب السري والمراوغة والخداع، هاهما يعلنان حبهما كبيرق على سارية الوطن.
اكتشفتُ بحماقة أنني صنعتُ قصتهما بيدي، بل وكتبتها فصلا فصلا بغباء مثالي، وأصبحتُ عاجزة عن التحكم بأبطالي، أتذكر سذاجتي، أتصل بها لتتحدث مع ضياء، فهي الوحيدة القادرة على إخراجه من كهوفه المظلمة، لتزيح غيومه الملبدة، لتصحو سماؤه المكفهرة، وأطلب من ضياء أن يتصل بها، يؤنس وحدتها في الاغتراب،
أدارت عينيها نحو ضياء، كيف أضع أمامك أنثى بهذا النضوج وهذا الاشتهاء، وتصغرني بثلاثة عقود ونيف، وتفوقني حضورا وإغراءا، وأحاول أن أقيس نفسي بها أمامك، كيف يمكن أن أفك صلة الكلمة، والفكرة التي تجمعكما بتواطؤ؟ وأمنع كاتبة صحفية أن تحب سياسيا، جعلت مواقفه، وأفكاره تميمة لتقيها انزلاق الطريق؟
كيف أقنعه وهو الذي لم يشف غليل حلمه بعد برفيقة درب يحكي لها حكايته التي لم ترق لي يوما، كيف لا يحبها وقد أرسلها القدر له لتوقظ الذاكرة وتشرّع نوافذ النسيان؟ كيف حدث هذا؟ وكيف وضعتكما أمام قدركما الذي هو قدري؟
قال لي هذا الصباح، بعيون صافية فرحة إنها رائعة هذه البايا، كنت أتمنى لو صادفتها قبل رحيلها، ولاحظ غلالة غيرة في عينيّ، فصمت، وقرأت صمت ضياء في عينيه.
أصمت لأحتفظ بسرّك لي أيتها الحلم الذي جاء متأخرا أكثر من نصف قرن، كما نحتفظ بسر كبير نتلذذ بحمله وحدنا، فإن لحبك نكهة العمل السري ومتعته القاتلة رغم خوفنا من الضواري التي تحسب علينا أنفاسنا. أم تراني أخجل أن أبوح لأحلام أنك حبيبتي، وهي التي لم أخجل منها يوما، وتقاسمت معها عمرا يزيد على أربعين عاما، هي تحبك وأنا أحبك، وآخرون يحبونك، لكن حبك لم يُخلق ليُقتسم فقررت أن تكوني لي يا مواسم الزيتون.
انسحبت أحلام بهدوء على رؤوس أصابعها، وأغلقت باب الغرفة خلفها وتركت ضياء سارحا في حلمه، وتمتمت، حلم أنا استقدمته إليه، وذهبت إلى صويحابتها.
اكتشفتُ بحماقة أنني صنعتُ قصتهما بيدي، بل وكتبتها فصلا فصلا بغباء مثالي، وأصبحتُ عاجزة عن التحكم بأبطالي، أتذكر سذاجتي، أتصل بها لتتحدث مع ضياء، فهي الوحيدة القادرة على إخراجه من كهوفه المظلمة، لتزيح غيومه الملبدة، لتصحو سماؤه المكفهرة، وأطلب من ضياء أن يتصل بها، يؤنس وحدتها في الاغتراب،
أدارت عينيها نحو ضياء، كيف أضع أمامك أنثى بهذا النضوج وهذا الاشتهاء، وتصغرني بثلاثة عقود ونيف، وتفوقني حضورا وإغراءا، وأحاول أن أقيس نفسي بها أمامك، كيف يمكن أن أفك صلة الكلمة، والفكرة التي تجمعكما بتواطؤ؟ وأمنع كاتبة صحفية أن تحب سياسيا، جعلت مواقفه، وأفكاره تميمة لتقيها انزلاق الطريق؟
كيف أقنعه وهو الذي لم يشف غليل حلمه بعد برفيقة درب يحكي لها حكايته التي لم ترق لي يوما، كيف لا يحبها وقد أرسلها القدر له لتوقظ الذاكرة وتشرّع نوافذ النسيان؟ كيف حدث هذا؟ وكيف وضعتكما أمام قدركما الذي هو قدري؟
قال لي هذا الصباح، بعيون صافية فرحة إنها رائعة هذه البايا، كنت أتمنى لو صادفتها قبل رحيلها، ولاحظ غلالة غيرة في عينيّ، فصمت، وقرأت صمت ضياء في عينيه.
أصمت لأحتفظ بسرّك لي أيتها الحلم الذي جاء متأخرا أكثر من نصف قرن، كما نحتفظ بسر كبير نتلذذ بحمله وحدنا، فإن لحبك نكهة العمل السري ومتعته القاتلة رغم خوفنا من الضواري التي تحسب علينا أنفاسنا. أم تراني أخجل أن أبوح لأحلام أنك حبيبتي، وهي التي لم أخجل منها يوما، وتقاسمت معها عمرا يزيد على أربعين عاما، هي تحبك وأنا أحبك، وآخرون يحبونك، لكن حبك لم يُخلق ليُقتسم فقررت أن تكوني لي يا مواسم الزيتون.
انسحبت أحلام بهدوء على رؤوس أصابعها، وأغلقت باب الغرفة خلفها وتركت ضياء سارحا في حلمه، وتمتمت، حلم أنا استقدمته إليه، وذهبت إلى صويحابتها.
- 3 -
أمضت بايا ليلتها في المزرعة التي اشتراها لها ضياء وهي في المنفى، فتحت عينيها على زقزقة العصافير المعششة في أشجار المزرعة، تتناغم مع آلاف البلابل في داخلها، كم كانت تلك الجلسة في منزل ضياء رائعة، كيف حدث كل هذا؟ لم أعد أدري،
كان الزمن يركض بنا من موعد إلى آخر، والحب ينقلنا من شهقة إلى أخرى، كأن حبه قدري، وربما حتفي، فهل هناك قوة بمقدورها إيقاف القدر؟
كان لقاؤنا يتجدد كل يوم، وفي ساعات مختلفة من اليوم ويدوم اللقاء ساعات عند مفارق الغربة، وربوع المنفى الواسعة الأشبه بسجن كبير، نخرج على حبال الضوء لنلتقي.
كنت أتساءل كل مرة وأنا أودعه مرددة تلقائيا "إلى الغد". ترانا نرتكب أكبر الحماقات ونتعلق ببعضنا كل يوم أكثر؟ ربما لأن قدره أحلام كنت أشعر أنني أتحمل مسؤولية ذلك الوضع العاطفي الشاذ، المجنون كما وصفه ضياء، وارتقاؤنا السريع نحو قمة عرفات ذاك الجبل المقدس، حيث كان الحب المفجع يوم التقى آدم بحواء بعد إن طردهما الله من الجنة.
عبثا حاولت إيقاف الشلال، الذي كان يجرفني إليك بقوة حب العشرين وجنون حب الأربعين، بشهية امرأة لم تعرف الحب قبل ذاك اليوم الذي التقيتك به ذات شتاء، وغمرتني دفئا وسكينة. كان حبك يجرفني كالطوفان، ويذهب بي إلى أبعد نقطة في اللا منطق، تلك التي تكاد يلامس فيها العشق في آخر المطاف الجنون.
وأشعر وأنا أتأبط ذراعك إلى تلك المتاهات العميقة داخلي، إلى تلك الدهاليز السرية للحب والشهوة، إلى تلك المساحات البعيدة الأغوار التي لم يطأها أحد قبلك، أنني أنزل في سلم القيم تدريجيا، وأنني أتنكر دون أن أدري لتلك المثل والمبادئ التي آمنت بها بتطرف، ورفضت عمرا بأكمله أن أساوم عليها. وفي لحظات الصحو أجفل وأرتد أسيفة كمهرة وردت نبع ماء وشاهدت صورتها في الماء، حينها تتلقفني ذراعاك، توشوشني كلاما أفهم بعضه ويستعصي علي بعضه الآخر، تعيدني إلى منطق الأشياء، حبيبتي القيم لاتتجزأ، ولا يوجد في قاموسي من فرق بين الأخلاق السياسية وبقية الأخلاق، فنحن لم ولن نتنكر لواحدة منها، ولم نثقب الأخلاق الفاضلة، قاطعتك:
ألا نخون وأنا أنفرد بك في غرفة الحلم، تؤثثها الكلمات والأشعار؟ ألم أسرق شيئا ليس لي في تلك الجلسات الطويلة على شرفات القمر، وأنت تسمع لثرثرتي؟
أجبتني: لا، لا لم يحدث هذا أبدا،
وتدرك قصدي وتقول: أحلام حاضرة بيننا دائما، تربطني بك، وتفصلني عنك في الوقت نفسه، فهي جسر وحاجز في الوقت نفسه، كانت تدرك أن متعتي الوحيدة أن أودع مفاتيح ذاكرتي عندك لتطلعي عليها أنت الصحفية، وأن
كان الزمن يركض بنا من موعد إلى آخر، والحب ينقلنا من شهقة إلى أخرى، كأن حبه قدري، وربما حتفي، فهل هناك قوة بمقدورها إيقاف القدر؟
كان لقاؤنا يتجدد كل يوم، وفي ساعات مختلفة من اليوم ويدوم اللقاء ساعات عند مفارق الغربة، وربوع المنفى الواسعة الأشبه بسجن كبير، نخرج على حبال الضوء لنلتقي.
كنت أتساءل كل مرة وأنا أودعه مرددة تلقائيا "إلى الغد". ترانا نرتكب أكبر الحماقات ونتعلق ببعضنا كل يوم أكثر؟ ربما لأن قدره أحلام كنت أشعر أنني أتحمل مسؤولية ذلك الوضع العاطفي الشاذ، المجنون كما وصفه ضياء، وارتقاؤنا السريع نحو قمة عرفات ذاك الجبل المقدس، حيث كان الحب المفجع يوم التقى آدم بحواء بعد إن طردهما الله من الجنة.
عبثا حاولت إيقاف الشلال، الذي كان يجرفني إليك بقوة حب العشرين وجنون حب الأربعين، بشهية امرأة لم تعرف الحب قبل ذاك اليوم الذي التقيتك به ذات شتاء، وغمرتني دفئا وسكينة. كان حبك يجرفني كالطوفان، ويذهب بي إلى أبعد نقطة في اللا منطق، تلك التي تكاد يلامس فيها العشق في آخر المطاف الجنون.
وأشعر وأنا أتأبط ذراعك إلى تلك المتاهات العميقة داخلي، إلى تلك الدهاليز السرية للحب والشهوة، إلى تلك المساحات البعيدة الأغوار التي لم يطأها أحد قبلك، أنني أنزل في سلم القيم تدريجيا، وأنني أتنكر دون أن أدري لتلك المثل والمبادئ التي آمنت بها بتطرف، ورفضت عمرا بأكمله أن أساوم عليها. وفي لحظات الصحو أجفل وأرتد أسيفة كمهرة وردت نبع ماء وشاهدت صورتها في الماء، حينها تتلقفني ذراعاك، توشوشني كلاما أفهم بعضه ويستعصي علي بعضه الآخر، تعيدني إلى منطق الأشياء، حبيبتي القيم لاتتجزأ، ولا يوجد في قاموسي من فرق بين الأخلاق السياسية وبقية الأخلاق، فنحن لم ولن نتنكر لواحدة منها، ولم نثقب الأخلاق الفاضلة، قاطعتك:
ألا نخون وأنا أنفرد بك في غرفة الحلم، تؤثثها الكلمات والأشعار؟ ألم أسرق شيئا ليس لي في تلك الجلسات الطويلة على شرفات القمر، وأنت تسمع لثرثرتي؟
أجبتني: لا، لا لم يحدث هذا أبدا،
وتدرك قصدي وتقول: أحلام حاضرة بيننا دائما، تربطني بك، وتفصلني عنك في الوقت نفسه، فهي جسر وحاجز في الوقت نفسه، كانت تدرك أن متعتي الوحيدة أن أودع مفاتيح ذاكرتي عندك لتطلعي عليها أنت الصحفية، وأن
أفتح دفاتر الماضي المصفرة، أنبش بيادري أذروها أمامك، وكأني أكتشفها معك وأنا أستمع لنفسي أقصها لأول مرة.
اكتشفنا بصمت الأيام، أننا نتكامل بطريقة مدهشة، أحدثك عن ماض تجهلينه، وتحدثيني عن حاضر ذهبت القيم فيه أدراج الرياح، حاولت أن أودعه بعض أحمال السنين والتجارب المرة وأثقالها، وحملّتك وزر حلم لم أجد غيرك أهلا له، وقلت لي أنا خديجتك أنسيت كيف آمنت بالحلم؟
فتعيدني إلى صفاء أفتقده بين الحين والآخر في صحارى المنفى. وهكذا رحت أمتلئ بك كل يوم أكثر، وأحبك أكثر…،
قلبت بايا في فراشها على اليسار حيث النافذة التي تربطها بما هو خارج غرفتها، تتناهى إلى سمعها أصوات الباعة، وضجة الأطفال وأزيز السيارات، ولا مكان لأشجار المزرعة الحلم، فتراءى لها ضياء ينقر زجاج النافذة، ضحكت ادخل الباب مفتوح، حضنته، قبلته، لفته بذراعيها، غاصت في دفء حلمت به طويلا، منذ ملايين السنين، حدّقت في سماء عينيه الصافيتين كنهر الفيروز، عندما اخترت طريقي يا ضياء لم يكن حلمي أن أكون مشهورة في أكبر إذاعة دولية، يسمعها الذين أعرفهم والذين ولا أعرفهم، الذين أحبهم والذين لا أحبهم، وكل منهم يبدي ملاحظاته فيما أقول، ولا كاتبة رافضة ومرفوضة، لم أختر طريقي لهذا،
كان حلمي أن تكون لي أسرة وأولاد يعيشون في ربيع لم أعرفه، تشردت لأجل هذا الربيع، فإذا بي أم لأطفال آخرين يعيشون في ربى وطني وزوجة للمنفى والقلم، أكتب فيه أحلام العصافير التي كنت أتمناها لطفل أنجبه من أب مثلك،
قلت لي، لن يأخذ أحد منك الحلم والكتابة عنه، إن ما في أعماقنا هو لنا، ولن تطوله يد أحد، أنت يا حبيبتي لا تنتمي لجيل النساء اللائي نذرن حياتهن للمطبخ، ويعشن الأعياد والعرس كوليمة حب، . لم يجدن تعبيرا له خارج الأكل، أنت حبيبتي ذاك النجم البعيد وذاك القمر البدر في حياتي التي كنت أريدها على نحو مختلف. وغمرها بدفء فريد فجر ينابيع للحب والرغبة والأمان.
كانت حكايتنا غريبة، وكان حبنا غريبا أيضا وكنت مستمتعا وأنا أروي لك الحكاية التي نسجناها معا، غير أنك رحت تروي حكايتك مع أحلام، مأخوذا بذكائها وقدرتها على فهمك، وكان صوتك في بعض اللحظات يقطر لذة وانتشاء، . بينما كنت أستمع إليك بأدب جم احتراما لمتعة يمارسها صديق بالحديث عما يحب ويستغرق به.
اكتشفنا بصمت الأيام، أننا نتكامل بطريقة مدهشة، أحدثك عن ماض تجهلينه، وتحدثيني عن حاضر ذهبت القيم فيه أدراج الرياح، حاولت أن أودعه بعض أحمال السنين والتجارب المرة وأثقالها، وحملّتك وزر حلم لم أجد غيرك أهلا له، وقلت لي أنا خديجتك أنسيت كيف آمنت بالحلم؟
فتعيدني إلى صفاء أفتقده بين الحين والآخر في صحارى المنفى. وهكذا رحت أمتلئ بك كل يوم أكثر، وأحبك أكثر…،
قلبت بايا في فراشها على اليسار حيث النافذة التي تربطها بما هو خارج غرفتها، تتناهى إلى سمعها أصوات الباعة، وضجة الأطفال وأزيز السيارات، ولا مكان لأشجار المزرعة الحلم، فتراءى لها ضياء ينقر زجاج النافذة، ضحكت ادخل الباب مفتوح، حضنته، قبلته، لفته بذراعيها، غاصت في دفء حلمت به طويلا، منذ ملايين السنين، حدّقت في سماء عينيه الصافيتين كنهر الفيروز، عندما اخترت طريقي يا ضياء لم يكن حلمي أن أكون مشهورة في أكبر إذاعة دولية، يسمعها الذين أعرفهم والذين ولا أعرفهم، الذين أحبهم والذين لا أحبهم، وكل منهم يبدي ملاحظاته فيما أقول، ولا كاتبة رافضة ومرفوضة، لم أختر طريقي لهذا،
كان حلمي أن تكون لي أسرة وأولاد يعيشون في ربيع لم أعرفه، تشردت لأجل هذا الربيع، فإذا بي أم لأطفال آخرين يعيشون في ربى وطني وزوجة للمنفى والقلم، أكتب فيه أحلام العصافير التي كنت أتمناها لطفل أنجبه من أب مثلك،
قلت لي، لن يأخذ أحد منك الحلم والكتابة عنه، إن ما في أعماقنا هو لنا، ولن تطوله يد أحد، أنت يا حبيبتي لا تنتمي لجيل النساء اللائي نذرن حياتهن للمطبخ، ويعشن الأعياد والعرس كوليمة حب، . لم يجدن تعبيرا له خارج الأكل، أنت حبيبتي ذاك النجم البعيد وذاك القمر البدر في حياتي التي كنت أريدها على نحو مختلف. وغمرها بدفء فريد فجر ينابيع للحب والرغبة والأمان.
كانت حكايتنا غريبة، وكان حبنا غريبا أيضا وكنت مستمتعا وأنا أروي لك الحكاية التي نسجناها معا، غير أنك رحت تروي حكايتك مع أحلام، مأخوذا بذكائها وقدرتها على فهمك، وكان صوتك في بعض اللحظات يقطر لذة وانتشاء، . بينما كنت أستمع إليك بأدب جم احتراما لمتعة يمارسها صديق بالحديث عما يحب ويستغرق به.
- 5 -
جفلتُ كيف تحول اسمك إلى صديق بعدما كنت الخل الوفي والحبيب؟ أدركت حينها أنني كنت أحلّق وحدي أرسم لنفسي اللوحات بكلمات على النحو الذي أريد، فتحول اللقاء إلى وجبة صمت مُربك، أستمع لحكايتك مع أحلام، حلم عمرك، شعرت ثمة شيئا انكسر بيننا، سمعت صوته كانكسار مرآة، لم يعد بالإمكان ترميمها، عكست حزني المشروخ، وكان الحزن فريدا وفرديا كخيبتي ذات الوجوه المتعددة كأحجار النرد، متشعبة الأسباب، غامضة كموقفي من قصتك مع أحلام.
أدركت بيقين قاطع أن قلبك لم يعشق غير أحلام منذ إن خفق لها أول مرة، ورحت تفتخر براحة البال والضمير أنك لم تخنها …، وحتى لا تقترف هذا الإثم صغت العلاقة مع بايا على نحو غريب، وكنت سعيدا بهذه الصياغة، فقد حولت الحب من عشق ثنائي عنيف إلى حب مثلث متساوي الأضلاع، كل زواياه متساوية، حولته من لعبة شطرنج يحكمها لاعبان متقابلان، ويملأ الحب فيها كل المربعات السوداء والبيضاء بقانون المد والجذر العشقي إلى لعبة ورق، يجلس الثلاثة حول طاولة واحدة، بأوراق مقلوبة وأحزان مقلوبة، بنبضات قلوبهم المشتركة، يتربصون ببعضهم لخلق قوانين جديدة للحب، يزوّرون الأوراق التي معهم بما لديهم من أوراق مخفية، يحتالون على منطق الأشياء، لا ليربح أحدهم الجولة، وإنما لكي لا يكون بينهم من خاسر، وحتى تكون النهاية أقل وجعا من البداية.
كان واضحا أن أحلام تشعر أن ضياء يحب بايا بطريقة ما، كما تشعر أن بايا تحب ضياء على هذا النحو أو ذاك، لكنها لم تكن تدرك أنها الضلع الثالث في المثلث المرسوم، لذا سحرتها اللعبة، لعبة ضياء الذي تعتقد أنه لا يخطئ أبدا، وأنه لها حيثما غطت عصافيره، وكرست يا ضياء هذا المفهوم الثلاثي للعشق، أردت أن تثبت صحته كما تفعل في كل قناعاتك لإقناع الآخر بها، ونسيت أو تناسيت أن العشق اسم ثنائي لا مكان فيه لطرف ثالث، لذا عندما حولته إلى مثلث ابتلعنا كما يبتلع مثلث برمودا كل البواخر التي تعبره خطأ.
كيف وصلنا إلى هنا؟ أي ريح حملتنا إلى هذه التضاريس الوعرة؟ أي صدفة جمعت أقدارنا المتناقضة، وأعمارنا المختلفة وتواريخنا المتفاوتة وأحلامنا المتباعدة في بيت نؤثثه بالكلام عن حلم صوره كل منا في ردهات الزمن وتلاقت الصورتان؟
تعودت أن ألون بكلماتي ما تقوله لي، بالبنفسجي حينا لأجعله حكمة ودرسا، وبالأزرق حينا آخر ليكون ثوب هدوئي، وبالأحمر بعض الأحيان لونا لعشقي وجنوني، والرمادي في غالب الأحيان، لقلقي المخيم على ما تقوله وسؤال حائر على شفتي: ماذا يريد أن يوصله لي من رسالة؟تعودت أن أجمع حصيلة ما تقوله لي، وأنسج منه حوارا لحكاياتي التي أدمنتها بعد
أدركت بيقين قاطع أن قلبك لم يعشق غير أحلام منذ إن خفق لها أول مرة، ورحت تفتخر براحة البال والضمير أنك لم تخنها …، وحتى لا تقترف هذا الإثم صغت العلاقة مع بايا على نحو غريب، وكنت سعيدا بهذه الصياغة، فقد حولت الحب من عشق ثنائي عنيف إلى حب مثلث متساوي الأضلاع، كل زواياه متساوية، حولته من لعبة شطرنج يحكمها لاعبان متقابلان، ويملأ الحب فيها كل المربعات السوداء والبيضاء بقانون المد والجذر العشقي إلى لعبة ورق، يجلس الثلاثة حول طاولة واحدة، بأوراق مقلوبة وأحزان مقلوبة، بنبضات قلوبهم المشتركة، يتربصون ببعضهم لخلق قوانين جديدة للحب، يزوّرون الأوراق التي معهم بما لديهم من أوراق مخفية، يحتالون على منطق الأشياء، لا ليربح أحدهم الجولة، وإنما لكي لا يكون بينهم من خاسر، وحتى تكون النهاية أقل وجعا من البداية.
كان واضحا أن أحلام تشعر أن ضياء يحب بايا بطريقة ما، كما تشعر أن بايا تحب ضياء على هذا النحو أو ذاك، لكنها لم تكن تدرك أنها الضلع الثالث في المثلث المرسوم، لذا سحرتها اللعبة، لعبة ضياء الذي تعتقد أنه لا يخطئ أبدا، وأنه لها حيثما غطت عصافيره، وكرست يا ضياء هذا المفهوم الثلاثي للعشق، أردت أن تثبت صحته كما تفعل في كل قناعاتك لإقناع الآخر بها، ونسيت أو تناسيت أن العشق اسم ثنائي لا مكان فيه لطرف ثالث، لذا عندما حولته إلى مثلث ابتلعنا كما يبتلع مثلث برمودا كل البواخر التي تعبره خطأ.
كيف وصلنا إلى هنا؟ أي ريح حملتنا إلى هذه التضاريس الوعرة؟ أي صدفة جمعت أقدارنا المتناقضة، وأعمارنا المختلفة وتواريخنا المتفاوتة وأحلامنا المتباعدة في بيت نؤثثه بالكلام عن حلم صوره كل منا في ردهات الزمن وتلاقت الصورتان؟
تعودت أن ألون بكلماتي ما تقوله لي، بالبنفسجي حينا لأجعله حكمة ودرسا، وبالأزرق حينا آخر ليكون ثوب هدوئي، وبالأحمر بعض الأحيان لونا لعشقي وجنوني، والرمادي في غالب الأحيان، لقلقي المخيم على ما تقوله وسؤال حائر على شفتي: ماذا يريد أن يوصله لي من رسالة؟تعودت أن أجمع حصيلة ما تقوله لي، وأنسج منه حوارا لحكاياتي التي أدمنتها بعد
- 6 -
كل لقاء، أحشوها بحوارات وكلام لم نقله، وفي حكايتي الأخيرة حلّقتُ كثيرا، لأكتشف أن علاقتنا لها شبه باللون الأبيض، تحتاج الكتابة من جديد،
كنت في النهاية كالوطن، كل شيء يؤدي إليه، ولكنه يوصد أبوابه في وجهي.
كنت في النهاية كالوطن، كل شيء يؤدي إليه، ولكنه يوصد أبوابه في وجهي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منقول : http://www.oudnad.net/15/umayma15.php
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق