الأربعاء، 21 مايو 2014

انتهاك سيادة دولة القانون

بقلم : عبدالله يحيى العلفي 
19 مايو 2015 م

يعد مقياس جودة القضاء من أدق وأهم المقاييس المستخدمة لتحديد مدى تقدُّم أي دولة في العصر الحديث. فالقضاء هو ميزان العدالة ومرجعها الأول والأخير وصوت الحق النابض الذي لا يمكن أن يستغني عنه أي مجتمع انساني يريد أن يعيش بسلام واستقرار وينمو ويزدهر ، وبالقضاء السليم تصبح السيادة لدولة القانون ويتحقق العدل بين الناس وتصان حقوق المواطنين. وبدون القضاء السليم تضيع العدالة مهما كانت النصوص القانونية السائدة تنص على الحقوق وتكفل المساواة بين الناس. ولا شك أن ضياع العدالة يؤدي بدوره الى انهيار المجتمع وتفكك وحدته كما يؤدي الى انهيار منظومة القيم الاخلاقية وإشاعة الفوضى والعنف.
ومنذ القدم كانت مهنة القضاء لا يتولاها إلا كبار القوم. إذ كان الناس إذا تخاصموا يختارون حكامهم بأنفسهم ممن هم في أعلى المراتب الاجتماعية في المجتمع وتتوفر فيهم صفات الفضيلة والعدل والحكمة والنزاهة وعدم التعصب والاستقلال في اتخاذ القرار واصدار الأحكام ولذلك كان الشخص الذي يحتكم اليه الناس يسمى (عدل) من العدالة . كما تولى الرسل وعلماء الدين مهنة القضاء لسعة علمهم بالشرائع السماوية وثقة الناس بعدالتهم ونزاهتهم واستقلالية احكامهم. وفي العصر الحديث اصبح القضاء سلطة مستقلة عن السلطة التنفيذية (الحكومة) يتولاها قضاة متخصصين في شئون الشريعة والقانون مشهود لهم بالعدالة والنزاهة والاستقلال السياسي. 
ولكي يقوم القضاء بدوره النبيل في تحقيق العدل والتقدم الاجتماعي. ينبغي أن يكون قضاءً نزيهاً سليماً من الانحراف . والقضاء السليم يقوم على ثلاثة أسس رئيسة هي :
1ـ  قاضي متخصص يمارس عدالته تحت قبة المحكمة ويتمتع بسلطة قضائية كاملة . ويصدر أحكامه بناء على قناعته وما نصته القوانين النافذة، غير منصاع لأي مؤثرات عدى موجبات الأمانة التي تحمّلها على عاتقه منذ توليه مهنة القضاء.
 قانون يجسد إرادة الوحدة الكلية للشعب في تقرير العدالة. يستند عليه القاضي في إصدار أحكامه ، ولا رقيب ولا حسيب على قرارات القاضي إلا ما نصه القانون وعبر آليات الطعن في المحاكم الأعلى درجة.
مناخ قضائي آمن يعزز استقلالية القاضي ويكفل عدم التأثير على عدالته سواء من قبل السلطات أو الأفراد.

ولذلك يجب ان تقوم الدولة بتوفير الحماية اللازمة لرجال القضاء ومنع اي تهديد يطالهم سواء كان مصدره شخصيات نافذة في الدولة أو عصابات اجرامية مسلحة تريد الضغط على قرارات المحكمة من خلال اختطاف القاضي أو أحد أفراد أسرته أو تهديده بالقتل والتصفية.. 
لا خلاف ان اليمن تمر بظروف صعبة غير ان تزايد وتيرة الاعتداءات على القضاة بالخطف وتهديدهم بالقتل والتصفية من قبل عصابات مسلحة بات يؤكد ان ثمة أعمال ممنهجة تستهدف عدالة القضاء وتسعى الى تقويض سيادة القانون واشاعة الفوضى لأغراص غير انسانية .
إن التهديدات التي يتعرض لها القاضي يحيى الماوري عضو المحكمة العليا بين الحين والاخر وغيره من القضاة الذين سبق وان تعرضوا للاعتداء والخطف والتهديد هي أعمال إرهابية جبانة تتنافى مع كل القيم والمبادئ الدينية والعرفية والقانونية ، هدفها "اطفاء نور كواكب العدالة" والنيل من المؤسسة القضائية. انها انتهاك سافر لحقوق الأنسان ولسيادة دولة القانون. والدولة التي لا تستطيع ان تحمي القضاء ورجاله من العصابات المسلحة دولةٌ إمعة لا تنبض بالأمن والاستقرار ، ولا يمكنها ان تلبي احتياجات المواطن .. لذلك اقولها من الآخر ، إذا كانت الدولة عاجزة عن حماية رجال القضاء فإنها عاجزة عن حماية اليمن ارضا وانسانا .. واستمرار الوضع على هذا النحو لا يبشر بخير اطلاقاً . 
لا شك ان حياة القضاة غالية جداً فهم كواكب النور المضيئة التي تشع فوق سماء اليمن الشامخ ليتحقق العدل بين الناس. إلا أننا نتمنى منهم أن يتحملوا عبء العمل في هذه الظروف الاستثنائية حتى لا تتوقف العدالة . ونحن على يقين أن اليمن تذخر برجال قضاءٍ اوفيا لا تقهرهم الظروف ولا حالات الانفلات الأمنى التي طالت آثارها السيئة كل فئات الشعب . فالكواكب التي تشع نورا في السماء لا تطفئها الرياح العاتية ولا العواصف الشديدة بل كلما اظلم الزمان زادت نورا والقا وعطاء للانسانية .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق