الخميس، 22 مايو 2014

نص خطاب رئيس الجمهورية بمناسبة العيد الوطني 24 للوحدة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين

والصلاة والسلام على سيد الخلق نبي الرحمن خاتم الأنبياء والمرسلين من أرسله الله هادياً ومبشراً ورحمة للعالمين
الإخوة المواطنون .. الأخوات المواطنات:

يا أبناء شعبنا اليمني العظيم في الداخل وفي المهجر:
يطل علينا اليوم الثاني والعشرون من مايو المجيد في ذكراه الرابعة والعشرين، وهو اليوم الأغر الذي حقق فيه اليمنيون أحد أكبر منجزاتهم التاريخية والذي مثَّل حلم وتوق كل الأجيال اليمنية المتعاقبة لعقود طويلة منصرمة.
في هذا اليوم الأغر حقق شعبُـنا اليمني أحد أهم أهداف ثورتيه الخالدتين سبتمبر وأكتوبر، والمتمثل في إعادة تحقيق الوحدة اليمنية المباركة في الثاني والعشرين من مايو عام 1990م، باعتبارها محطة كفاح طويلة بذل شعبـُـنا اليمني أغلى التضحيات في سبيل الوصول إليها وتحقيقها.
وبهذه المناسبة يسعدني أن أخاطبكم وأزف إليكم أصدق التهاني وأجمل التبريكات متمنياً أن يتحقق لشعبنا اليمني العظيم كل ما يصبو إليه من آمال مشروعة في حياة رغيدة وسعيدة ولوطننا الحبيب الأمن والأمان والتقدم والازدهار.. وكل عام وأنتم بخير.
الإخوة المواطنون..الأخوات المواطنات:
ستظل الوحدةُ اليمنية قيمة عظيمة ومقدسة بل وعنوان القوة والحصانة، والنقيض للفرقة والتشرذم والتشظي.. ذلك لأن النسيج الاجتماعي الواحد لشعبنا اليمني لا يقتصر عمره على مدى ربع قرن من الوحدة، بل هو نتاجُ انصهارٍ طبيعي لشعب واحد كان مندمجاً على الدوام حتى في ظل فترات التجزئة والدويلات المتصارعة، لأن روح التجانس والتآلف والإخاء ورباط وحدة الدم وصلة القربى هي روحٌ واحدة لا تنفصم عراها على مدى التاريخ، وكانت تتصدر كل الأولويات وأهداف الثورتين المجيدتين السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962 والرابع عشر من أكتوبر عام 1963م.
وإننا على يقين تام بل وراسخ أن اليمن بوحدته سيبقى قوياً لا يلين، وستتعزز مكانته وحضوره الوطني والإقليمي والدولي ويكبر في عيون العالم..

الإخوة المواطنون..الأخوات المواطنات:
بين احتفالنا بالعيد الوطني في مثل هذا اليوم من العام الماضي وبين احتفالنا به اليوم يمكننا القول وباعتزاز كبير أن اليمن قطع شوطاً كبيراً باتجاه الخروج من أزمته السياسية نحو المستقبل الأفضل.. فقبل عامٍ فقط كانت أعمال مؤتمر الحوار الوطني في ذروتها والناس بين الرجاء واليأس فيما إذا كان المؤتمر سينجح ويخرج بالنتائج المرجوة منه أم لا، وبفضل من الله تعالى وبصبركم ومصابرتكم حقق المؤتمر النجاح الكبير الذي كان الجميع يرجوه ووصلنا بسلام إلى يوم ختامه في 25 يناير 2014م حيث سجل العالم كله إعجابه بحكمتكم وصمودكم ونضالكم وبما حققتموه من إنجاز كبير لا يليق إلا بالشعوب العظيمة التي تمتلك تاريخاً حضارياً ناصعاً، رغم كل المحاولات اليائسة لإفشال المؤتمر تارة وتفجيره من داخله تارة وافتعال كل ما يمكن أن يصل به إلى طريق مسدود تارة أخرى، لكن أعضاء مؤتمر الحوار الوطني كانوا عند مستوى المسؤولية رجالاً ونساءً، شباباً وشابات، حزبيين ومستقلين.. فلهم من شعبهم كل التقدير والاحترام على مواقفهم الناصعة، والرحمة لمن دفعوا حياتهم ثمناً لهذا النجاح.

الإخوة والأخوات:
وعلى ضوء النجاح الكبير الذي حققه مؤتمر الحوار الوطني، ها نحن نسيرُ بثقة وخطىً ثابتة لإنجاز الاستحقاقات الضرورية لإنهاء الفترة الانتقالية.. فقد تم تشكيل لجنة تحديد الأقاليم وأنهت أعمالها بنجاح بإعادة صياغة الوضع الإداري إلى ستة أقاليم تتوزع عليها المحافظات القائمة، كما تم تشكيل لجنة صياغة الدستور الجديد عقب ذلك، وهاهي الآن تعمل بكل طاقتها لإنجاز مهامها في أقل وقت ممكن، كما تم تشكيل الهيئة الوطنية للرقابة على تنفيذ مخرجات الحوار التي ستعنى بالكثير من المهام الكبيرة خلال المرحلة القادمة.. وإلى جانب ذلك كله تعمل اللجنة العليا للانتخابات للإعداد لعملية الاستفتاء على الدستور الجديد الذي سينقلنا إلى مرحلة جديدة نمضي خلالها لبناء اليمن الاتحادي الجديد، والذي لن تستقيم دعائمه إلا بتكاتف جميع أبنائه وقواه السياسية النشطة.

الإخوة المواطنون..الأخوات المواطنات:
نحتفل اليوم بالعيد الوطني الرابع والعشرين بعد أن حقق شعـبُنا اليمني بمختلف قواه السياسية والحزبية المتعددة والمتنوعة انتصاراتٍ عظيمة في التسوية السياسية واختار نهج الحوار بديلاً عن الاحتراب والاقتتال يشهد لها القاصي والداني كأنموذج فريد ومتفرد يحتذى به عن سائر دول الربيع العربي.
ونعكف اليوم بهمةٍ وطنية عالية، وبلا ادخار للجهد، لتنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل باعتبارها الركيزة والدعامة الأساسية للإصلاح الشامل وجوهر التغيير الهادف لبناء دولة مدنية حديثة تقوم على مبادئ الحكم الرشيد والعدالة والمساواة والشراكة في السلطة والثروة بلا استئثار أو احتكار.
ولعل أبرز معالم مخرجات الحوار تتمثل في إنجاز صياغةٍ حديثة ومعاصرة لمشروع الوحدة اليمنية على أساس اتحادي ديمقراطي يضمن الحقوق المشروعة في العدالة والمساواة لكل أبناء اليمن بعد معالجة السلبيات وإنصاف المظالم وجبر الضرر بما يرسخ من عرى الوحدة الوطنية في النفوس ويجدد معانيها وقيمها العظيمة السامية باعتبارها مبادئ قائمة على الإنصاف والمواطنة المتساوية وتحقيق التطلعات المشروعة للشعب في الحياة الحرة الكريمة والعيش الرغيد لمواطنينا في ظل دولة مدنية حديثة يسود في ظلها النظام والقانون ومبادئ الحكم الرشيد.
الإخوة المواطنون..الأخوات المواطنات:
لعله من المهم التأكيد في هذه المناسبة الغالية أن ما تضمنته مخرجات الحوار الوطني من صيغـةِ دولــةٍ اتحادية بأقاليمها الستة هي خطوة مهمة لإعادة بناء اليمن الواحد بموجب مشروع الدستور الجديد الذي يجري إعداده حالياً على أساس توزيعٍ إداري جديد كبديل للمركزية الإدارية المفرطة التي استعصى عليها تحقيق الشراكة المنصفة والعدالة المتساوية بلا تمييز أو إقصاء أو تهميش.
ولقد حان الوقت في ظل هذا الزخم الكبير والعمل الدؤوب الذي يصبُّ في مصلحة الجميع وفي المقدمة مصلحة الشعب والوطن، أن أدعو كافة القوى السياسية الوطنية لتوحيد موقفها إيثاراً لمصلحة الشعب والوطن بمنأى عن أية اعتبارات وولاءات وانتماءات حزبية ومناطقية ومذهبية أو أية اعتبارات ومصالح شخصية وآنية ضيقة بل وزائلة.
وفي نفس المضمار، نجدها مناسبة وفرصة مواتية لدعوة الذين لم يشاركوا في الحوار الوطني للانخراط في المسيرة الوطنية الشاملة التي لا تقصي أو تستثني أحداً، ذلك أن المصلحة الوطنية العليا هي فرض واجب وطني مقدس تستوجب المشاركة. وإننا نعلن أن الباب مازال مفتوحاً لمن لم يتمكنوا من المشاركة في الحوار الوطني باعتبارها خياراً لا يضاهيه خيارٌ آخر لرفعة اليمن ونهضته وازدهاره وتطلعه صوب غد المستقبل الجديد والعيش الرغيد.
الإخوة المواطنون..الأخوات المواطنات:
إن واجبي يحتم علي مصارحتكم بالصعوبات الكبيرة التي تواجهها البلاد على الصعيد الاقتصادي خلال السنوات الماضية والتي ازدادت حدة هذا العام.. فالموازنة العامة للدولة تواجه عجزاً في الموارد المالية، وجزء كبير من هذه الموارد يذهب في دعم المشتقات النفطية، وهذا العجز في الموازنة ناتج عن عدة عوامل، أهمها الاعتداءات المتكررة على خطوط أنابيب النفط الذي أدى إلى انخفاض كمية الصادرات النفطية، وكما تعلمون أن الموارد النفطية هي المصدر الرئيسي للموارد المالية في موازنة الدولة.. كما أن تحصيل الإيرادات الضريبية والجمركية ليس بالكفاءة المطلوبة ولا يتناسب مع حجم النشاط التجاري والاقتصادي القائم، وهي المورد الثاني لموازنة الدولة بعد النفط، فظاهرة التهرب الضريبي والتهريب الجمركي لازالت بمعدلات مرتفعة رغم الجهود الإيجابية الملموسة أخيراً في مكافحة التهريب.  كما يجب الإشارة إلى أن الأعمال الإرهابية قد تسببت ومازالت في هروب الاستثمارات الخارجية، وفي توقف قطاع السياحة في بلادنا وما كانت تمثله من مصدر دخل لآلاف الأسر العاملة في هذا القطاع ومصدرا هاما للعملة الصعبة، كما تسببت الأعمال الإرهابية في عزوف أصحاب رؤوس الأموال المحلية عن التوسع في أنشطتهم الاستثمارية.
وإلى جانب ما سبق فإن هناك سبباً هاماً يحول دون تمكن الحكومة من تحقيق الوفرة المطلوبة للسوق من المشتقات النفطية، وهو الحرص على عدم استنزاف الاحتياطي النقدي في شرائها لأنها لو بدأت في اقتطاع قيمة المشتقات من الاحتياطي فلن يأتي نهاية العام إلا وقد تم استنزاف النصف منه، الأمر الذي سينتج عنه ارتفاع العملة الأجنبية وانخفاض قيمة العملة الوطنية.
ولاشك أن الوجه الآخر للإرهاب يتمثل في أصحاب النفوس المريضة والجشعة الذين يتاجرون بأقواتكم واحتياجاتكم ويعبثون بالخدمات التي تقدمها الدولة ويعملون على قطعها وضربها واستهدافها سواء ضرب الكهرباء أو قطع الطرق على الناقلات، وإثارة البلبلات والإشاعات بين المواطنين مستغلين قلة الوعي لدى بعضهم، وأخطر من هذا وذاك أولئك الذين يستغلون الدعم المالي الذي تقدمه الدولة لأسعار المشتقات النفطية فيعملون على تخزينها وتهريبها خارج الحدود ليحققوا أرباحاً خيالية نتيجة بيعهم لها بالأسعار العالمية.
لذلك كله كان لزاماً علينا الشروع في عدد من الإجراءات ومواصلة بعض الإجراءات الأخرى، فقد وجهنا باستمرار العمل على استكمال نظام البصمة والصورة في الأجهزة المدنية والعسكرية والأمنية بهدف إنهاء الازدواج الوظيفي وإلغاء الأسماء الوهمية، وهو ما سينعكس إيجاباً على الوضع بشكل عام، كما وجهنا بزيادة الربط المقرر هذا العام على الإيرادات الجمركية والضريبية واتخاذ كافة الإجراءات التي تكفل تحقيقه على الوجه المنشود وتحسين مستوى كفاءة التحصيل والحد من التهرب الضريبي والجمركي، كما أن الجهاز التنفيذي لاستيعاب أموال المانحين سيبدأ في العمل الجاد بقيادته الجديدة بعد أن استكمل بنيته الإدارية.
وتأكدوا – أيها المواطنون والمواطنات الأعزاء – أننا سنبذل قصارى جهدنا في التخفيف من معاناتكم وأننا لن نعمل إلا من أجل المصلحة الوطنية العليا وسنتخذ من الإجراءات ما يحول دون حدوث أي تدهور اقتصادي وأي تراجع لسعر عملتنا الوطنية حتى وإن كانت بعضها تبدو قاسية أو صعبة، ذلك أننا نعالج تراكمات سنوات طويلة من السياسات الاقتصادية الخاطئة ومن الفساد الذي استشرى في كل مرافق وأجهزة الدولة، وكل ذلك يحتاج للكثير من الوقت والصبر والثقة المتبادلة بين القيادة والشعب.
الإخوة المواطنون..الأخوات المواطنات:
تطل علينا هذه المناسبة الغالية اليوم وأبناءُ قواتنا المسلحة والأمن مع اللجان الشعبية يحققون الانتصارات تلو الانتصارات في مواجهة عناصر الإجرام والبغي والإرهاب ويسطرون أروع ملاحم البطولة في ميادين الشرف والرجولة عازمين على استئصال شأفة الإرهاب وتطهير كل شبر من الوطن الغالي من دنسه وإجرامه بعد أن فرت شراذمه من أوكارها وجحورها أمام ضربات جيشنا الباسل.
واستطاعت قواتُنا المسلحة والأمن تطهير محافظتي شبوة وأبين في وقت قياسي من شراذم الإرهاب التي ألحقت الضرر بقدسية ديننا الإسلامي الحنيف وباقتصادنا الوطني وخلقت بيئة طاردة لفرص الاستثمار المحلي والأجنبي وضاعفت من المعاناة المعيشية للمواطنين وشلت حركة السياحة في وقت نحن في أمس الحاجة فيه لتوفير فرص العمل لشبابنا الذي يعاني أغلبه من البطالة وبحاجة ماسة لإعادة التوازن الاقتصادي والأمني لحياة المواطن.
ولذلك فإن معركة شعبنا وقواتنا المسلحة والأمن باتت معركة مصيرية مع قوى الإجرام والغدر والإرهاب ومازالت المؤسسةُ العسكريةُ والأمنية وكل الشرفاء من أبناء الوطن يتصدرون الصفوف ويقدمون التضحيات والعطاءات ويسطرون الملاحم البطولية النادرة ويصنعون أعياد الوطن، ولقد برهنوا في ظل كل الظروف أنهم المؤسسة الوطنية الرائدة والشريك الفاعل في صنع التحولات والتغيير وحماية المنجزات بما يهيئ الأجواء للبناء والتنمية والتقدم
 يا أبناء قواتنا المسلحة والأمن
يا حماة الوطن الأشاوس ودرع الشعب الحصين
أيها الأبطال الميامين
أحييكم وأشد على أياديكم وسواعدكم الفتية والقوية جنوداً وصفاً وضباطاً وقادة وأنتم ترابطون في كل المواقع والثغور وتدكون أوكار الإرهاب وتؤدون واجبكم الوطني ومهامكم القتالية بكل كفاءة واقتدار وإخلاص ونكران ذات من أجل الحفاظ على أمن الوطن واستقراره واقتصاده الوطني، فأنتم خط الدفاع الأول لحماية كل المكاسب الوطنية وبدونكم لا يمكن الحديث عن التنمية والاستقرار.
فلكم التهاني والتحايا المستحقة وبوركت سواعدكم وعزائمكم وإرادتكم التي لا تقهر لأنها من إرادة الله وإرادة شعبكم الذي يقف معكم وإلى جانبكم تبجيلا وتعظيما لبطولاتكم الفذة والنادرة ضد جحافل عصابات الإجرام والشر والإرهاب وسفاكي الدماء بلا وازع من رحمة ولا رادع من ضمير أو دين.. والمجد والخلود لشهداء الواجب الذين اغتالتهم أيادي الغدر والخيانة والإرهاب، وثقوا بأن دماءهم الغالية الزكية لن تذهب سدى، فشراذم الإرهاب ومن يقف وراءها من قوى محلية أو خارجية سيدفعون الثمن غالياً، آجلاً أو عاجلاً، وسينتهي بهم المطاف في قبضة العدالة مهما طال فرارهم وسيظل شعـبُنا متيقظاً لجرائمهم وسيحيق بهم وبمكرهم السيئ الهزيمة والعقاب ولن تفلح محاولاتهم البائسة في عرقلة مسيرة التغيير والتحديث مهما افتعلوا من أزمات فقد صار وجههم القبيح مكشوفاً أمام جماهير شعبنا اليمني العظيم وقواه السياسية الحية وأدرك الجميع أن الإصلاح الشامل وتحقيق طموحات وتطلعات جماهير شعبنا بمختلف شرائحه واتجاهاته لن يتحقق إلا بتنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل على أرض الواقع.
ولا يفوتنا في الأخير أن نتوجه بالشكر والتقدير والعرفان لأشقائنا في مجلس التعاون الخليجي وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية بقيادة أخي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والذين يؤكدون في كل وقت دعمهم ومساندتهم لليمن في هذه المرحلة الدقيقة من عملية تنفيذ المبادرة الخليجية، وهو الدعم الذي نأمل استمراره بمختلف الأشكال والصور حتى يصل اليمن إلى بر الأمان ليظل سنداً وعمقاً استراتيجياً لأشقائه في مجلس التعاون الخليجي.
كما نتوجه بالشكر مجدداً للمجتمع الدولي ممثلاً بمجلس الأمن الدولي والأعضاء الخمسة الدائمون على مواقفهم الثابتة والدائمة في مساندة حق الشعب اليمني في التغيير والسعي من أجل حياة أفضل والتأكيد الدائم على الالتزام بوحدة وأمن واستقرار اليمن ومساندة كل الجهود المخلصة وإدانة مفتعلي العوائق ومعرقلي التسوية من العناصر التي فقدت مصالحها من أي طرف كان.. فالتحية خالصة نوجهها باسم الشعب اليمني لمجلس التعاون الخليجي ومجلس الأمن الدولي وللدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية والتسوية السياسية.
وإننا لمعتزون وفخورون بأن شعبنا اليمني العظيم المشهود له بالإيمان والحكمة منذ القدم لقادر اليوم على اجتراح المعجزات، وإبهار العالم بالانتصارات.. فالمجدُ كل المجد لليمن الواحد الموحد، والمجد كل المجد للشعب اليمني العظيم في ربوع الوطن وفي دول الاغتراب والمهجر وكل عام وأنتم بخير..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،


سبأ نت :  22 مايو 2014

الأربعاء، 21 مايو 2014

انتهاك سيادة دولة القانون

بقلم : عبدالله يحيى العلفي 
19 مايو 2015 م

يعد مقياس جودة القضاء من أدق وأهم المقاييس المستخدمة لتحديد مدى تقدُّم أي دولة في العصر الحديث. فالقضاء هو ميزان العدالة ومرجعها الأول والأخير وصوت الحق النابض الذي لا يمكن أن يستغني عنه أي مجتمع انساني يريد أن يعيش بسلام واستقرار وينمو ويزدهر ، وبالقضاء السليم تصبح السيادة لدولة القانون ويتحقق العدل بين الناس وتصان حقوق المواطنين. وبدون القضاء السليم تضيع العدالة مهما كانت النصوص القانونية السائدة تنص على الحقوق وتكفل المساواة بين الناس. ولا شك أن ضياع العدالة يؤدي بدوره الى انهيار المجتمع وتفكك وحدته كما يؤدي الى انهيار منظومة القيم الاخلاقية وإشاعة الفوضى والعنف.
ومنذ القدم كانت مهنة القضاء لا يتولاها إلا كبار القوم. إذ كان الناس إذا تخاصموا يختارون حكامهم بأنفسهم ممن هم في أعلى المراتب الاجتماعية في المجتمع وتتوفر فيهم صفات الفضيلة والعدل والحكمة والنزاهة وعدم التعصب والاستقلال في اتخاذ القرار واصدار الأحكام ولذلك كان الشخص الذي يحتكم اليه الناس يسمى (عدل) من العدالة . كما تولى الرسل وعلماء الدين مهنة القضاء لسعة علمهم بالشرائع السماوية وثقة الناس بعدالتهم ونزاهتهم واستقلالية احكامهم. وفي العصر الحديث اصبح القضاء سلطة مستقلة عن السلطة التنفيذية (الحكومة) يتولاها قضاة متخصصين في شئون الشريعة والقانون مشهود لهم بالعدالة والنزاهة والاستقلال السياسي. 
ولكي يقوم القضاء بدوره النبيل في تحقيق العدل والتقدم الاجتماعي. ينبغي أن يكون قضاءً نزيهاً سليماً من الانحراف . والقضاء السليم يقوم على ثلاثة أسس رئيسة هي :
1ـ  قاضي متخصص يمارس عدالته تحت قبة المحكمة ويتمتع بسلطة قضائية كاملة . ويصدر أحكامه بناء على قناعته وما نصته القوانين النافذة، غير منصاع لأي مؤثرات عدى موجبات الأمانة التي تحمّلها على عاتقه منذ توليه مهنة القضاء.
 قانون يجسد إرادة الوحدة الكلية للشعب في تقرير العدالة. يستند عليه القاضي في إصدار أحكامه ، ولا رقيب ولا حسيب على قرارات القاضي إلا ما نصه القانون وعبر آليات الطعن في المحاكم الأعلى درجة.
مناخ قضائي آمن يعزز استقلالية القاضي ويكفل عدم التأثير على عدالته سواء من قبل السلطات أو الأفراد.

ولذلك يجب ان تقوم الدولة بتوفير الحماية اللازمة لرجال القضاء ومنع اي تهديد يطالهم سواء كان مصدره شخصيات نافذة في الدولة أو عصابات اجرامية مسلحة تريد الضغط على قرارات المحكمة من خلال اختطاف القاضي أو أحد أفراد أسرته أو تهديده بالقتل والتصفية.. 
لا خلاف ان اليمن تمر بظروف صعبة غير ان تزايد وتيرة الاعتداءات على القضاة بالخطف وتهديدهم بالقتل والتصفية من قبل عصابات مسلحة بات يؤكد ان ثمة أعمال ممنهجة تستهدف عدالة القضاء وتسعى الى تقويض سيادة القانون واشاعة الفوضى لأغراص غير انسانية .
إن التهديدات التي يتعرض لها القاضي يحيى الماوري عضو المحكمة العليا بين الحين والاخر وغيره من القضاة الذين سبق وان تعرضوا للاعتداء والخطف والتهديد هي أعمال إرهابية جبانة تتنافى مع كل القيم والمبادئ الدينية والعرفية والقانونية ، هدفها "اطفاء نور كواكب العدالة" والنيل من المؤسسة القضائية. انها انتهاك سافر لحقوق الأنسان ولسيادة دولة القانون. والدولة التي لا تستطيع ان تحمي القضاء ورجاله من العصابات المسلحة دولةٌ إمعة لا تنبض بالأمن والاستقرار ، ولا يمكنها ان تلبي احتياجات المواطن .. لذلك اقولها من الآخر ، إذا كانت الدولة عاجزة عن حماية رجال القضاء فإنها عاجزة عن حماية اليمن ارضا وانسانا .. واستمرار الوضع على هذا النحو لا يبشر بخير اطلاقاً . 
لا شك ان حياة القضاة غالية جداً فهم كواكب النور المضيئة التي تشع فوق سماء اليمن الشامخ ليتحقق العدل بين الناس. إلا أننا نتمنى منهم أن يتحملوا عبء العمل في هذه الظروف الاستثنائية حتى لا تتوقف العدالة . ونحن على يقين أن اليمن تذخر برجال قضاءٍ اوفيا لا تقهرهم الظروف ولا حالات الانفلات الأمنى التي طالت آثارها السيئة كل فئات الشعب . فالكواكب التي تشع نورا في السماء لا تطفئها الرياح العاتية ولا العواصف الشديدة بل كلما اظلم الزمان زادت نورا والقا وعطاء للانسانية .


الأحد، 18 مايو 2014

صنعاء لا تقعي



تتأنـق الكلمات يا صنعاء إن

حدثتُ عنك 

علها تلقاكِ
وتطيب اوراقي إذا كاتبتك 
وكأنني فيها أصبُّ شذاكِ
صنعاء أكتب في هواك قصيدة 
ويراع وجدي ينحني لهواك
وجلال حسنك ليس مثلك آية
كلا ولا عشق الربيع سواك
صنعاء لا تقعي سأحمل جرحك
وأعيش جندياً فدى عيناك

عبدالله يحيى العلفي 
15 /5/2015

الخميس، 15 مايو 2014

يا حبا على شاكلة وطن

أميمة أحمد - الجزائر

راحت بايا تقرأ قصيدة أمام دهشة ضياء بها، الذي لم يرها من قبل وعرفها بما سمع عنها، تكاد عيناه تحضنها فرحا بها وهي تقول:
تربّص بي الحزن لا تتركيني لحزن المساء
سأرحل سيدتي
أشرعي اليوم بابك قبل البكاء
فهذي المنافي تُغرّر بي في انتظار
تراودني للرحيل
عله يشفي غليل الحنين
حنين إلى وطني
صار رحلة عشق دائمة في الخيال
كانت أحلام تستمع لأول مرة إلى بايا وهي تقرأ شعرا، كان صوتها موسيقى لآلة لم تخلق بعد، فيه مساحة حزن، وكان خُلق للفرح، وعزف الصوت لحنا آخر، لحنين أشبه بالعشق. وكان ضياء يستمع إليها بشيء من الذهول، وكأنه فجأة جلس خارج الزمن، وخارج الذكريات المؤلمة التي عبرت حياته، ليستمع لها. وعندما سكتت بايا راح يقرأ بقية تلك القصيدة، كأنه يقرأ لها طالعه لا غير.
ومالي سواك وطن
وتذكرة للتراب. رصاصة عشق بلون الكفن
ولا شيء غيرك عندي
مشاريع حب لعمر قصير
وحبك مشروع عمري
فأنت لي. فأنت لي
في تلك اللحظة، سرت شحنة من الحزن المكهرب وربما من الحب المكهرب بيننا نحن الثلاثة، واخترقت ثغورنا كجداول الربيع.
- 2 -
أحب بايا، قالت أحلام لنفسها، مبهورة بها، أعطت ضياء ما افتقده عندي، كلمات الحزن، وكلمات الوطن، وكلمات الحب أيضا، حبها لها متفرد في تضاريسه وأشكاله وألوانه، غير مألوف لدى الناس. أشعر في هذه اللحظة أن بايا أصبحت قلبنا معا. وبشيء من الحسرة والحزن تابعت أحلام، كان يجب أن أتوقع كل هذا، فهل كان يمكن أن أوقف انجرافهما كسيل جرف كل أعراف الحب السري والمراوغة والخداع، هاهما يعلنان حبهما كبيرق على سارية الوطن.

اكتشفتُ بحماقة أنني صنعتُ قصتهما بيدي، بل وكتبتها فصلا فصلا بغباء مثالي، وأصبحتُ عاجزة عن التحكم بأبطالي، أتذكر سذاجتي، أتصل بها لتتحدث مع ضياء، فهي الوحيدة القادرة على إخراجه من كهوفه المظلمة، لتزيح غيومه الملبدة، لتصحو سماؤه المكفهرة، وأطلب من ضياء أن يتصل بها، يؤنس وحدتها في الاغتراب،

أدارت عينيها نحو ضياء، كيف أضع أمامك أنثى بهذا النضوج وهذا الاشتهاء، وتصغرني بثلاثة عقود ونيف، وتفوقني حضورا وإغراءا، وأحاول أن أقيس نفسي بها أمامك، كيف يمكن أن أفك صلة الكلمة، والفكرة التي تجمعكما بتواطؤ؟ وأمنع كاتبة صحفية أن تحب سياسيا، جعلت مواقفه، وأفكاره تميمة لتقيها انزلاق الطريق؟

كيف أقنعه وهو الذي لم يشف غليل حلمه بعد برفيقة درب يحكي لها حكايته التي لم ترق لي يوما، كيف لا يحبها وقد أرسلها القدر له لتوقظ الذاكرة وتشرّع نوافذ النسيان؟ كيف حدث هذا؟ وكيف وضعتكما أمام قدركما الذي هو قدري؟

قال لي هذا الصباح، بعيون صافية فرحة إنها رائعة هذه البايا، كنت أتمنى لو صادفتها قبل رحيلها، ولاحظ غلالة غيرة في عينيّ، فصمت، وقرأت صمت ضياء في عينيه.

أصمت لأحتفظ بسرّك لي أيتها الحلم الذي جاء متأخرا أكثر من نصف قرن، كما نحتفظ بسر كبير نتلذذ بحمله وحدنا، فإن لحبك نكهة العمل السري ومتعته القاتلة رغم خوفنا من الضواري التي تحسب علينا أنفاسنا. أم تراني أخجل أن أبوح لأحلام أنك حبيبتي، وهي التي لم أخجل منها يوما، وتقاسمت معها عمرا يزيد على أربعين عاما، هي تحبك وأنا أحبك، وآخرون يحبونك، لكن حبك لم يُخلق ليُقتسم فقررت أن تكوني لي يا مواسم الزيتون.

انسحبت أحلام بهدوء على رؤوس أصابعها، وأغلقت باب الغرفة خلفها وتركت ضياء سارحا في حلمه، وتمتمت، حلم أنا استقدمته إليه، وذهبت إلى صويحابتها.
- 3 -
أمضت بايا ليلتها في المزرعة التي اشتراها لها ضياء وهي في المنفى، فتحت عينيها على زقزقة العصافير المعششة في أشجار المزرعة، تتناغم مع آلاف البلابل في داخلها، كم كانت تلك الجلسة في منزل ضياء رائعة، كيف حدث كل هذا؟ لم أعد أدري،

كان الزمن يركض بنا من موعد إلى آخر، والحب ينقلنا من شهقة إلى أخرى، كأن حبه قدري، وربما حتفي، فهل هناك قوة بمقدورها إيقاف القدر؟

كان لقاؤنا يتجدد كل يوم، وفي ساعات مختلفة من اليوم ويدوم اللقاء ساعات عند مفارق الغربة، وربوع المنفى الواسعة الأشبه بسجن كبير، نخرج على حبال الضوء لنلتقي.

كنت أتساءل كل مرة وأنا أودعه مرددة تلقائيا "إلى الغد". ترانا نرتكب أكبر الحماقات ونتعلق ببعضنا كل يوم أكثر؟ ربما لأن قدره أحلام كنت أشعر أنني أتحمل مسؤولية ذلك الوضع العاطفي الشاذ، المجنون كما وصفه ضياء، وارتقاؤنا السريع نحو قمة عرفات ذاك الجبل المقدس، حيث كان الحب المفجع يوم التقى آدم بحواء بعد إن طردهما الله من الجنة.

عبثا حاولت إيقاف الشلال، الذي كان يجرفني إليك بقوة حب العشرين وجنون حب الأربعين، بشهية امرأة لم تعرف الحب قبل ذاك اليوم الذي التقيتك به ذات شتاء، وغمرتني دفئا وسكينة. كان حبك يجرفني كالطوفان، ويذهب بي إلى أبعد نقطة في اللا منطق، تلك التي تكاد يلامس فيها العشق في آخر المطاف الجنون.

وأشعر وأنا أتأبط ذراعك إلى تلك المتاهات العميقة داخلي، إلى تلك الدهاليز السرية للحب والشهوة، إلى تلك المساحات البعيدة الأغوار التي لم يطأها أحد قبلك، أنني أنزل في سلم القيم تدريجيا، وأنني أتنكر دون أن أدري لتلك المثل والمبادئ التي آمنت بها بتطرف، ورفضت عمرا بأكمله أن أساوم عليها. وفي لحظات الصحو أجفل وأرتد أسيفة كمهرة وردت نبع ماء وشاهدت صورتها في الماء، حينها تتلقفني ذراعاك، توشوشني كلاما أفهم بعضه ويستعصي علي بعضه الآخر، تعيدني إلى منطق الأشياء، حبيبتي القيم لاتتجزأ، ولا يوجد في قاموسي من فرق بين الأخلاق السياسية وبقية الأخلاق، فنحن لم ولن نتنكر لواحدة منها، ولم نثقب الأخلاق الفاضلة، قاطعتك:

ألا نخون وأنا أنفرد بك في غرفة الحلم، تؤثثها الكلمات والأشعار؟ ألم أسرق شيئا ليس لي في تلك الجلسات الطويلة على شرفات القمر، وأنت تسمع لثرثرتي؟

أجبتني: لا، لا لم يحدث هذا أبدا،

وتدرك قصدي وتقول: أحلام حاضرة بيننا دائما، تربطني بك، وتفصلني عنك في الوقت نفسه، فهي جسر وحاجز في الوقت نفسه، كانت تدرك أن متعتي الوحيدة أن أودع مفاتيح ذاكرتي عندك لتطلعي عليها أنت الصحفية، وأن

- 4 -
أفتح دفاتر الماضي المصفرة، أنبش بيادري أذروها أمامك، وكأني أكتشفها معك وأنا أستمع لنفسي أقصها لأول مرة.

اكتشفنا بصمت الأيام، أننا نتكامل بطريقة مدهشة، أحدثك عن ماض تجهلينه، وتحدثيني عن حاضر ذهبت القيم فيه أدراج الرياح، حاولت أن أودعه بعض أحمال السنين والتجارب المرة وأثقالها، وحملّتك وزر حلم لم أجد غيرك أهلا له، وقلت لي أنا خديجتك أنسيت كيف آمنت بالحلم؟

فتعيدني إلى صفاء أفتقده بين الحين والآخر في صحارى المنفى. وهكذا رحت أمتلئ بك كل يوم أكثر، وأحبك أكثر…،

قلبت بايا في فراشها على اليسار حيث النافذة التي تربطها بما هو خارج غرفتها، تتناهى إلى سمعها أصوات الباعة، وضجة الأطفال وأزيز السيارات، ولا مكان لأشجار المزرعة الحلم، فتراءى لها ضياء ينقر زجاج النافذة، ضحكت ادخل الباب مفتوح، حضنته، قبلته، لفته بذراعيها، غاصت في دفء حلمت به طويلا، منذ ملايين السنين، حدّقت في سماء عينيه الصافيتين كنهر الفيروز، عندما اخترت طريقي يا ضياء لم يكن حلمي أن أكون مشهورة في أكبر إذاعة دولية، يسمعها الذين أعرفهم والذين ولا أعرفهم، الذين أحبهم والذين لا أحبهم، وكل منهم يبدي ملاحظاته فيما أقول، ولا كاتبة رافضة ومرفوضة، لم أختر طريقي لهذا،

كان حلمي أن تكون لي أسرة وأولاد يعيشون في ربيع لم أعرفه، تشردت لأجل هذا الربيع، فإذا بي أم لأطفال آخرين يعيشون في ربى وطني وزوجة للمنفى والقلم، أكتب فيه أحلام العصافير التي كنت أتمناها لطفل أنجبه من أب مثلك،

قلت لي، لن يأخذ أحد منك الحلم والكتابة عنه، إن ما في أعماقنا هو لنا، ولن تطوله يد أحد، أنت يا حبيبتي لا تنتمي لجيل النساء اللائي نذرن حياتهن للمطبخ، ويعشن الأعياد والعرس كوليمة حب، . لم يجدن تعبيرا له خارج الأكل، أنت حبيبتي ذاك النجم البعيد وذاك القمر البدر في حياتي التي كنت أريدها على نحو مختلف. وغمرها بدفء فريد فجر ينابيع للحب والرغبة والأمان.

كانت حكايتنا غريبة، وكان حبنا غريبا أيضا وكنت مستمتعا وأنا أروي لك الحكاية التي نسجناها معا، غير أنك رحت تروي حكايتك مع أحلام، مأخوذا بذكائها وقدرتها على فهمك، وكان صوتك في بعض اللحظات يقطر لذة وانتشاء، . بينما كنت أستمع إليك بأدب جم احتراما لمتعة يمارسها صديق بالحديث عما يحب ويستغرق به.
- 5 -
جفلتُ كيف تحول اسمك إلى صديق بعدما كنت الخل الوفي والحبيب؟ أدركت حينها أنني كنت أحلّق وحدي أرسم لنفسي اللوحات بكلمات على النحو الذي أريد، فتحول اللقاء إلى وجبة صمت مُربك، أستمع لحكايتك مع أحلام، حلم عمرك، شعرت ثمة شيئا انكسر بيننا، سمعت صوته كانكسار مرآة، لم يعد بالإمكان ترميمها، عكست حزني المشروخ، وكان الحزن فريدا وفرديا كخيبتي ذات الوجوه المتعددة كأحجار النرد، متشعبة الأسباب، غامضة كموقفي من قصتك مع أحلام.

أدركت بيقين قاطع أن قلبك لم يعشق غير أحلام منذ إن خفق لها أول مرة، ورحت تفتخر براحة البال والضمير أنك لم تخنها …، وحتى لا تقترف هذا الإثم صغت العلاقة مع بايا على نحو غريب، وكنت سعيدا بهذه الصياغة، فقد حولت الحب من عشق ثنائي عنيف إلى حب مثلث متساوي الأضلاع، كل زواياه متساوية، حولته من لعبة شطرنج يحكمها لاعبان متقابلان، ويملأ الحب فيها كل المربعات السوداء والبيضاء بقانون المد والجذر العشقي إلى لعبة ورق، يجلس الثلاثة حول طاولة واحدة، بأوراق مقلوبة وأحزان مقلوبة، بنبضات قلوبهم المشتركة، يتربصون ببعضهم لخلق قوانين جديدة للحب، يزوّرون الأوراق التي معهم بما لديهم من أوراق مخفية، يحتالون على منطق الأشياء، لا ليربح أحدهم الجولة، وإنما لكي لا يكون بينهم من خاسر، وحتى تكون النهاية أقل وجعا من البداية.

كان واضحا أن أحلام تشعر أن ضياء يحب بايا بطريقة ما، كما تشعر أن بايا تحب ضياء على هذا النحو أو ذاك، لكنها لم تكن تدرك أنها الضلع الثالث في المثلث المرسوم، لذا سحرتها اللعبة، لعبة ضياء الذي تعتقد أنه لا يخطئ أبدا، وأنه لها حيثما غطت عصافيره، وكرست يا ضياء هذا المفهوم الثلاثي للعشق، أردت أن تثبت صحته كما تفعل في كل قناعاتك لإقناع الآخر بها، ونسيت أو تناسيت أن العشق اسم ثنائي لا مكان فيه لطرف ثالث، لذا عندما حولته إلى مثلث ابتلعنا كما يبتلع مثلث برمودا كل البواخر التي تعبره خطأ.

كيف وصلنا إلى هنا؟ أي ريح حملتنا إلى هذه التضاريس الوعرة؟ أي صدفة جمعت أقدارنا المتناقضة، وأعمارنا المختلفة وتواريخنا المتفاوتة وأحلامنا المتباعدة في بيت نؤثثه بالكلام عن حلم صوره كل منا في ردهات الزمن وتلاقت الصورتان؟

تعودت أن ألون بكلماتي ما تقوله لي، بالبنفسجي حينا لأجعله حكمة ودرسا، وبالأزرق حينا آخر ليكون ثوب هدوئي، وبالأحمر بعض الأحيان لونا لعشقي وجنوني، والرمادي في غالب الأحيان، لقلقي المخيم على ما تقوله وسؤال حائر على شفتي: ماذا يريد أن يوصله لي من رسالة؟تعودت أن أجمع حصيلة ما تقوله لي، وأنسج منه حوارا لحكاياتي التي أدمنتها بعد
- 6 -
كل لقاء، أحشوها بحوارات وكلام لم نقله، وفي حكايتي الأخيرة حلّقتُ كثيرا، لأكتشف أن علاقتنا لها شبه باللون الأبيض، تحتاج الكتابة من جديد،

كنت في النهاية كالوطن، كل شيء يؤدي إليه، ولكنه يوصد أبوابه في وجهي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

منقول : http://www.oudnad.net/15/umayma15.php

الخميس، 8 مايو 2014

أنا بعض نفسي




أعذرني ان لم تعرفني اليوم !

فأنا بعض نفسي .. بقية تائهٍ ينزوي خلف بؤس الزمان.

أفتش عن ملامحي المفقودة في غياهب الليل
في وضح الضحى أبحث عني، ولا أجد مني سوى صمتاً عتيقاً يملأه الوجل، وتنهيدةً تستر حزناً مثخناً بالألم.

هل جربت يوماً تحفر الصخر بأناملك بحثاً عن عقيقٍ لتبقى وفيّا في عيون أحبتك، ولا تستطع الوفاء !؟

هل تسكعت وحيداً في أروقة الهموم تناجي قلوباً صماء لا تسمع إلا نفسها!؟ 

هل سهرت الليل تخشى طلوع الفجر لأن النهار أضحى مرتعا للقهر والشقاء!؟
وتمشيت نهاراً في قارعة الطريق تهذي مع نفسك هارباً من غروب الشمس لأن الليل امسى ملاذاً للتحسر والأسى!؟
 هل أغمضت عينيك ألماً وتنهدت عميقاً راجيا أن ترى صك الخلاص بين يديك !؟


لستُ يائساً ولا محبطاً ولا مهزوماً ولم تختالني يوماً خيبة أمل 

انما قسوة الدهر تنحت في وجه كل صباح علامة غدر جديد.

حينما تصبح الوعود مجرد أمنيات يسيّرها القدر ، حتى السماء تنكث وعدها ولا تغيث الأرض بمزن المطر .. 

فهل تكون السماء قد جفت كما جفت قلوب الطيبين!؟

عبدالله يحيى العلفي