الأحد، 25 سبتمبر 2011

سادة الظلم


بقلم عبدالله يحيى العلفي 

(اللهم أهلك الظالمين بالظالمين)، دعاءٌ يردده الكثير من شباب التغيير في الفيس بوك والمجالس العامة للتعبير عن موقفهم من الحرب القائمة بين الرئيس وأولاده من جهة وعلي محسن الأحمر وأبناء الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر من جهة أخرى. 
       الحقيقة أنني منذ فترة وأنا أحاول أن أقف أمام هذا الدعاء بقليل من التحليل المتعمق لمضمون النص، كونه يعبر عن الوعي الثوري لشباب التغيير، ويمكن من خلال تحليله التوصل إلى قراءة موضوعية لشكل ومضمون التغيير الذي يصبوا إليه الشباب. بغض النظر عن هل الله يستجيب لدعاء كهذا أم لا؟ أو هل هذا الدعاء جائز أو غير جائز؟
       لو سئلنا أنفسنا ما الذي نريد تغييره؟ بالتأكيد إجابتنا ستعبر عن شكل ومضمون التغيير الذي ننشده . فإذا توقفت الإجابة على تغيير الشكل (الأشخاص) دون تغيير المضمون (الظلم). فإن هذا يعبر عن وعيٍ سطحي لفهم المشكلة ، مجرد تغيير أشخاص بأشخاص آخرين ، ولا يعبر عن وعي عميق يمتد لمضمون مشكلة الظلم أو يعبر عن وجود رؤية واضحة لمعالجة المشكلة ذاتها.
       من هذا المنطلق أزعم أن الدعاء بالقول (اللهم اهلك الظالمين بالظالمين) ليس مجرد وعي سطحي لدى شباب التغيير للمشكلة التي يعاني منها المجتمع كما أسلفت، إنما يكشف أيضاً عن مشاعر انتقامية وعدوانية لدى الشباب على أشخاص معينين (الحكام) ووجود رغبة ملحة للتخلص من الأشخاص حتى لو كان البديل حكاماً مثلهم في الظلم أو أكثر منهم ظلماً.  ففعل الأمر اهلك تعبير بأن البغض والكراهية على الحكام (وليس الظلم) قد وصل ذروته إلى حد التمني بأن يفني الله أولئك الحكام من الوجود.  أما (أهلك الظالمين بالظالمين) فإنه يؤكد بدون شك على غياب الرغبة لمعالجة الظلم نفسه. لأن الدعاء يفضي إلى تجديد الظلم وليس إلى إزالة الظلم، وكأنك تقول اللهم غير الظلم الذي نعاني منه بظلم جديد.
       والدليل على ذلك أنك إذا قلت لأحد شباب الثورة ـ ممن يرددون نفس الدعاءـ أن يغير دعائه بالقول (اللهم أصلح الظالمين بالصالحين) لغضب منك وسخط عليك وشكك في نواياك وربما يشتمك وينعتك بما لا يليق بك. رغم أن الدعاء الأخير يعالج جوهر مشكلة الظلم بالإصلاح ، ويغير الظالمين بالصالحين.
       ولذلك ليس غريباً أن أكثر الشعارات الثورية التي يرفعها الشباب يطغى عليها العبارات الهدامة (كإسقاط النظام) بدلاً من (إصلاح النظام) ، وأن الشتم والتزييف والتشفي والترهيب والوعيد والتخريب يشيع في ساحات التغيير والحرية وصفحات الفيس بوك الثورية أكثر من التسامح والترغيب والتحفيز والظهور بمظاهر القدوة الحسنة. كما ليس غريباً أن تجد الثوار يرفضون بشدة تغيير الحكام من خلال صناديق الاقتراع باعتباره الحل العادل الذي يعبر عن إرادة الشعب ويتوافق مع الشرعية الدستورية ويطالبون برحيل الرئيس دون تقديم معالجة منطقية لمشكلة السلطة بعد الرحيل. لأن الحياة التي ترعرعت عليها الأجيال المعاصرة حياة يسودها الظلم حتى أصبح الظلم مصدر إلهام المجتمع معه تكيف الشباب وبه يعالجون مشاكلهم ، وإذا أرادوا تغييره فإنهم يغيرون الظلم بظلم جديد.
       إذن ليس هناك تغيير جوهري يرنوا إليه من يزعمون أنهم ثوار، إنه مجرد تغيير شكلي لا يتعدى التخلص من أشخاص بأشخاص آخرين . وليس أكثر من استبدال ظلم بظلم جديد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق