أعتقد أن الحديث عن احتمالات تعثر انتقال السلطة سلمياً وتخلي الصالح عن الحكم عبثاً كبيراً لا يسمن ولا يغني من جوع . فقد استطاع الشباب فعلاً وبما لا يدع مجالاً للشك تحديد المحطة الأخيرة للنظام السابق وفتح آفاقاً رحبة لمستقبل جديد غني بالإصلاحات الفعالة في شتى مجالات الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية . إننا نقف اليوم على مفصل من مفاصل التاريخ، نودع عهداً انقضى ونستهل عهداً لم يبدأ نرجو أن يكون الآتي أكثر تقدماً وازدهاراً يسوده النظام والقانون .عهد ينعم بالحرية والعدالة والمساواة والحياة الكريمة. وهذا يتطلب رسم مجسم تصوري للعهد المرتقب، يحدد الملامح الأساسية والشكل الحضاري الذي يميزه عن العهود السابقة ويحدد موقعه الحضاري في زمن لا مكان فيه للضعفاء. عهد هويته يمنية أصيلة ، المرأة فيه شريك أساس ليس في البيت فقط ولا في بعض المهن التقليدية التي يقررها الرجل ، بل في كل مناحي الحياة بما في ذلك الحكم والسلطة وقد لعبت فعلاً دوراً ريادياً في قيادة الثورة الشبابية وهو ما لا يمكن تجاهله أو إنكاره.
في أجواء مخاض العهد الجديد أثيرت الكثير من التساؤلات حول شكل ولون وأسم الدولة الحديثة المرتقبة ؟ مدنية أم إسلامية ؟ رئاسية أم برلمانية ؟. وقد ارتأى البعض أن يكون العهد الجديد مدني بالمفهوم العلماني والذي يعني (فصل الدولة عن الدين) جاء ذلك في العديد من الكتابات والمقالات والندوات خلال فترة الاعتصام. بينما البعض الآخر ( ممن يزعمون الأغلبية ) يرون الشكل الأنسب للدولة الحديثة أن تكون إسلامية ديمقراطية مدنية مستبعدين تماماً المفهوم العلماني للدولة وعلى رأس هؤلاء محمد عبد المجيد الزنداني . وهناك التيار السلفي الذي يكفر كل أشكال الحكم الديمقراطي والحرية والتعددية السياسية ، ويطالب بخلافة إسلامية. أما من وجهة نظري، إذا رجعنا إلى التاريخ، نجد أن الحركة الإصلاحية الأولى التي مكنت المجتمع الأوروبي من بدء مسيرة التقدم كانت حركة الإصلاح الديني التي فتحت العقول وحررت الضمائر، وبهذا تهيأ المجتمع لتقبل أي إصلاح سياسي. جوهر هذا الإصلاح هو الحرية بمعناها الفكري والديني والسياسي الاقتصادي . ولعلي أتفق كثيراً مع العالم الإسلامي جمال البناء في رأيه عن أهمية تطبيق الحرية في الإصلاح السياسي.
فإذا سأل سائل : لماذا يكون مطلبنا – كمسلمين – هو الحرية وليس "الإسلام" أو "تطبيق الشريعة" أو أي شعار من الشعارات الشائعة ...
أقول ما قاله جمال البناء " مطلبنا الأول هو الحرية "
1- إننا نطلب الحرية لأنها التي تمّكِنا من المطالبة بما نريد. وهى التي تحول دون وقوع عدوان عليها بحيث تـظل المطالبة مسموعة وباقية ..
2- لأنها التي تحمى ممارساتنا من السرف والشطط ومن النظرة الأحادية ومن الانحراف وأخطاء التطبيق وهى مزالق تنزلق إليها كل المطالبات – إسلامية أو غير إسلامية – ما لم توجد الحرية التي يمكن بها كشف هذه الأخطاء أولاً بأول وتصحيحها ..
3- لأن الحرية تؤدى إلى تفعيل العقل للتوصل إلى القـرارات السليمة وبدونها تسيطر الخرافة أو يستبد الحاكم.
إلى ما سبق أضيف أن الحرية هي القيمة التي يحتاجها الشعب اليمني قبل أي قيمة أخرى. إن ألف عام ونصف من الحكم الاستبدادي المركزي كادت أن تذهب بالشخصية اليمنية يمن الإيمان والحكمة التي اتصفت بالعزيمة والإرادة. والعزة والكرامة “ نحن أولوا قوةٍ و أولوا بأس شديدٍ “. ومن حق هذا الشعب – الأول في العالم ـ ألا يحرم مما يتمتع به آخر العالم.
ما هي الحرية التي نرجوها ؟
تتلخص الحرية المطلوب تحقيقها في الحريات التالية :
· حرية التفكير.
· حرية الدين.
· الحق في الحياة والسلامة الشخصية .
· التحرر من العبودية .
· حرية التنقل.
· المساواة أمام القانون وأن تأخذ العدالة مجراها في ظل سيادة القانون.
· حرية الكلام.
· حرية الصحافة والحصول على المعلومات من مصادر متنوعة للمعلومات.
· حرية الانتساب للجمعيات والتنظيمات الاجتماعية والسياسية .
· حرية التعليم.
· وجود قضاء مستقل.
· الحق في التملك وفي البيع والشراء.